ليس أهلها إنها عرضت على السماوات المبنية والأرض المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلا ولا أعظم منها ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الإنسان إنه كان ظلوما جهولا وفي الكافي ما يقرب منه وفي العوالي أن عليا عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول إنا عرضنا الأمانة الآية قال وإن كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده أقول: لا منافاة بين هذه الأخبار حيث خصصت الأمانة تارة بالولاية والأخرى بما يعم كل أمانة وتكليف لما عرفت في مقدمات الكتاب من جواز تعميم اللفظ بحيث يشمل المعاني المحتملة كلها بإرادة الحقايق تارة والتخصيص بواحد واحد أخرى ثم أقول ما يقال في تأويل هذه الآية في مقام التعميم أن المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها وعدم ادعاء منزلتها لنفسه ثم سائر التكاليف والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال النظر إلى استعدادهن لذلك وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة لها وبحمل الإنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها ومع تقصيره بحسب وسعه في أدائها وبكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب فهذه حقائق معانيها الكلية وكل ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذه الحقايق كما يظهر عند التدبر
(٢٠٨)