ولنقدم قبل الشروع في المقصود مقدمة وهى أنا لمحنا في الديباجة ببعض ألفاظ تحتاج إلى إفصاح. ولوحنا إلى مقاصد تفتقر إلى إيضاح، وهى قولنا على أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم، أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; أما الثمد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة مريم عند قوله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) وهو بيت النابغة الذبياني:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد وأما السبد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة عند قوله تعالى (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) وهو قوله:
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا * عند التفرق في الهيجا جمالين وأما اللمم فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة النجم عند قوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) وهو قوله:
لقاء أخلاء الصفاء لمام * وحبل وصال الغانيات رمام وأما قولنا أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم، فهو إيماء إلى بيتين أوردهما المصنف من نظمه في سورة القلم حيث قال يعنى نفسه. ولبعضهم في صفة القلم: ورواقم رقش إلى آخر البيتين; ثم لا يخفى على من ذاق هذا الكلام وتأمله أن في هذه الألفاظ ما يلوح إلى قلة ما أغفله.
ونسأل الله تعالى أن يوسع علينا فضله، ويوقظنا من سنة الغفلة، ويعصمنا من الزلل والخطأ، وأن لا نكون ممن اتبع هواه وكان أمره فرطا، والله تعالى ولى التوفيق، والهادي بالعناية إلى أقوم طريق، وهو حسبي ونعم الوكيل:
سورة الفاتحة (باسم الذي في كل سورة سمه * قد وردت على طريق تعلمه) هذا البيت ثاني أبيات الكشاف، وإنما ابتدأنا به هنا تبركا باسمه سبحانه وتعالى، والبيت لرؤبة بن العجاج.
والشاهد فيه كون الاسم أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن، وإذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلى زيادة شئ واستغنى عنها بتحريك الساكن، وبعد البيت:
أرسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه أي أرسل بازلا في حال كون المرسل قرمه: أي تركه على المعل للفحلة فالبازل يقصد بتلك الإبل طريقا يعلمه لأنه ألف ذلك العمل: أي الجماع، والبازل الذي انشق نابه، وذلك في السنة التاسعة وربما بزل في الثامنة، وبعد الآن نشرع في شرح الأبيات على ترتيب الحروف.