تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٥٢
تصنع فإنا نستجهلكم فيما أنتم عليه من الكفر، فأنتم أولى بالاستجهال منا. سمى سخريتهم استجهالا لأن السخرية في مثل هذا المقام من باب السفه والجهل لأنها تعرض لسخط الله تعالى وعذابه، وهو من إطلاق اسم المسبب على السبب وفى التنزيل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والثاني قصاص وليس بعدوان وكذلك جزاء سيئة سيئة مثلها. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) تسلما منكم لا نجاملكم ومتاركة لا خير بيننا ولا شر: أي نتسلم منكم تسلما، فأوقع السلام مقام التسلم.
وقيل قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإثم، والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب، ومنه قوله:
* ألا لا يجهلن أحد علينا * (فما سمعت بأنني قط أرسلها * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا) هو لقيس بن عاصم وبعده:
فلعنة الله والأقوام كلهم * على سجاح ومن بالإفك أغرانا وفى رواية عوض المصراع الأول: * أضحت نبيتنا أثنى نساء بها * في سورة يوسف عند قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) رد لقولهم (لو شاء الله لأنزل ملائكة) وعن ابن عباس: يريد ليست فيهم امرأة، وقيل في سجاح المتنبئة: * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا * وقصتها مع مسيلمة مشهورة، وقد تقدمت عند قوله:
أمت سجاح ووافاها مسيلمة * كذابة من بنى الدنيا وكذاب ومن أحسن ما قيل في تشبيه من يخلف الوعد بمسيلمة قول بعضهم:
ووعدتني وعدا حسبتك صادقا * فبقيت من طمعي أجئ وأذهب فإذا جلست أنا وأنت بمجلس * قالوا مسيلمة وهذا أشعب (فقلت له لما تكشر ضاحكا * وقائم سيفي من يدي بمكان تعال فإن عاهدتني لا تخونني * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان) في سورة الرعد عند قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) فإن سارب إما معطوف على من هو مستخف أو على مستخف وحده، إلا أن من في معنى الاثنين كقوله:
* نكن مثل من يا ذئب يصطحبان * كأنه قيل: سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار، والموصول محذوف وصلته باقية: أي ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، وحذف الموصول المعطوف مع بقاء صلته سائغ، ومنه قوله تعالى (وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم) لأن الثانية لو عطفت على صلة الأولى لم يكن لدخول حرف النفي معنى، ومنه قول حسان:
فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء أي ومن يمدحه وينصره، وقوله مثل من يشير إلى البيت المذكور، وتكشر أيدي أنيابه، ولله در أبى الطيب حيث يقول:
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»
الفهرست