و إسحاق بن راهويه، ت (238 ه)، و عثمان بن أبي شيبة، ت (239 ه)، و غيرهم من النبلاء.
و منهم من صنف على الأبواب، و على المسانيد معا، كأبي بكر بن عبد الله بن أبي شيبة، ت (235 ه).
فلما رأى البخاري - رحمه الله تعالى - هذه التصانيف و رواها، و انتشق رياها، و استجلى محياها، و جدها - بحسب الوضع - جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح و التحسين، و الكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين، تحركت همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين.
وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه - أمير المؤمنين في الحديث و الفقه - إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه - و قد كان البخاري عنده -: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟.
قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع (الجامع الصحيح) (1).
ثم تلاه تلميذه و صاحبه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فصنف ثاني كتابين ملأ الدنيا و شغلا الناس، فكانا البداية - و نعمت البداية - و كانا النواة و المنهج للباحثين في هذا المضمار الشريف.
و لكنهما - رحمهما الله - لم يستوعبا الصحيح بما جمعاه، و لا التزما ذلك، و قد روينا عن البخاري أنه قال: (ما أدخلت في كتابي (الجامع) إلا ما صح، و تركت من الصحاح لملال الطول).
و روينا عن مسلم أنه قال: (ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا - يعني في صحيحه - و إنما وضعت هنا ما أجمعوا على صحته) (2).