محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله، النبوة: العلم و العمل، و حكموا عليه بالزندقة، و هجروه، و كتبوا فيه إلى الخليفة، فأمر بقتله.
و سمعت غيره يقول: لذلك أخرج من سمرقند) (1).
(1) لقد تدبرنا ما كتبه ابن حبان في صحيحه من تعليقات، و ما نثره من تأويلات، علنا نقع على هذه العبارة، أو على شيء يدل عليها، أو تأويل يقود إليها، فلم نجد من ذلك شيئا، علما بأن سلوك ابن حبان، و دأبه الدائب في تحصيل الحديث الصحيح، و حرصه على حفظه من قبل الدارسين للعمل به، بعد عقله و فهمه يجعلنا نرجح أن هذه المقولة ألصقها به بعض حاسديه من المتزهدين الذين زهدوا في العلم، فناصبوا أهله العداء، أو القائلين بالحد الذين أغرقوا فيه حتى كادوا أن يقعوا في التجسيم، أو بعض الذين ضاق صدرهم بالتأويل و المتأولين فاعتبروهم الأعداء الألداء، و اتهموهم بما هم منه - أو من أكثره - برآء.
قال الجاحظ ابن كثير في (البداية) 11 / 259: (و قد حاول بعضهم الكلام فيه من جهة معتقده، و نسبه إلى القول بأن النبوة مكتسبة، و هي نزعة فلسفية، والله أعلم بصحة غزوها إليه، و نقلها عنه).
و قال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) 16 / 96 - 97: (هذه حكاية غريبة، و ابن حبان من كبار الأئمة، و لسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة قد يطلقها المسلم، و يطلقها الفيلسوف الزنديق.
فإطلاق المسلم لها لا يبتغي، لكن نعتذر فنقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخير، و نظير ذلك قوله - عليه الصلاة و السلام -: (الحجعرفة). و معلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل تبقى عليه فروض و واجبات، و إنما ذكر مهم الحج.
و كذا هذا ذكر مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم و العمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، و ليس كل من برز فيهما نبيا، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى لا حيلة للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللدني، و العمل الصالح.
و أما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم و العمل، و هذا كفر لا يريده أبو حاتم أصلا، و حاشاه).
وتعقب الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) 5 / 114 هذه المقولة بقوله: (ماذا؟
إلا تعصب زائد على المتأولين، و ابن حبان كان صاحب فنون، و ذكاء مفرط، و حفظ واسع إلى الغاية).