و قال: (و ما آتاكم الرسول فخذوه، و ما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7].
و من هنا اشتدت عناية صحابة الرسول - صلى الله عليه و سلم - بما صدر عنه من أقوال و أفعال فحفظوها في صدورهم، و قيد بعضها عدد غير قليل منهم في الصحف و بلغوها لمن جاء بعدهم من التابعين، بدقة بالغة، و عناية لا نظير لها.
ثم جاء عصر التابعين، فحذوا حذو الصحابة في حفظ الحديث و كتابته، فكان العالم منهم يتردد على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا في بلده، فيحفظ مروياتهم، و يعقل فتاويهم، و يعي تأويلهم للآي الكريم.
و استقر الأمر على ذلك إلى رأس المئة الأولى من الهجرة في ولاية الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فرأى جمع الحديث و السنن، و تدوينها تدوينا عاما خشية أن يضيع منها شيء بموت حافظيها، فقد روى مالك في (الموطأ) برواية محمد بن الحسن أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - و كان إذ ذاك على إمرة المدينة المنورة موئل العلماء و الحفاظ - أن انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سنته، أو حديث عمر، أو نحو هذا، فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، و ذهاب العلماء، و أوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، و القاسم بن محمد بن أبي بكر، و هما على رأس من جمع حديث أم المؤمنين عائشة، و ما عندها من العلم.
و كتب أيضا إلى العالم الجليل، المحدث الحافظ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ت (124) ه، أن يدون الحديث و العلم، فكان كما قال أبو الزناد: (يطوف على العلماء، و معه الألواح