في النفس فقط ليس مما يستحق به ذم لأنه ليس من فعله، وإنما يذم بالانقياد له، قال سبحانه: ﴿ومن يوق شح نفسه﴾ (١)، وقال: ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾ (٢).
وقال عليه السلام: لا يجتمع شح وأيمان في قلب أبدا.
فأما الجود فإنه محمود على جميع السنة العالم، ولهذا قيل: كفى بالجود مدحا أن اسمه مطلقا لا يقع إلا في حمد، وكفى بالبخل ذما أن اسمه مطلقا لا يقع إلا في ذم.
وقيل لحكيم: أي أفعال البشر أشبه بأفعال الباري سبحانه؟ فقال: الجود.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: (الجود شجرة من أشجار الجنة، من أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى الجنة، والبخل شجرة من أشجار النار من أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى النار).
ومن شرف الجود أن الله سبحانه قرن ذكره بالايمان، ووصف أهله بالفلاح، والفلاح اسم جامع لسعادة الدارين، قال سبحانه: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) إلى قوله: ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ (٣) وقال ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ (٤).
وحق للجود بأن يقرن بالايمان، فلا شئ أخص به وأشد مجانسة له منه، فإن من صفة المؤمن انشراح الصدر، كما قال تعالى: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء﴾ (5)، وهذا من صفات الجواد والبخيل، لان الجواد واسع الصدر، منشرح مستبشر للانفاق والبذل، والبخيل قنوط ضيق الصدر، حرج القلب ممسك.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: (وأي داء أدوأ من البخل).
والبخل على ثلاثة أضرب: بخل الانسان بماله على نفسه، وبخله بماله على غيره، وبخله