والقرب وعيش الملائكة. يا بنى لم صار الضب أطول شئ ذماء! إلا لأنه يتبلغ بالنسيم. ولم زعم رسول الله صلى الله عليه وآله أن الصوم وجاء! إلا ليجعله حجابا دون الشهوات! فافهم تأديب الله ورسوله، فإنهما لا يقصدان إلا مثلك. يا بنى، إني قد بلغت تسعين عاما ما نقص لي سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أنف، ولا سيلان عين، ولا تقطير بول، ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد، فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم.
وكان يقال البطنة تذهب الفطنة.
وقال عمرو بن العاص لأصحابه يوم حكم الحكمان: أكثروا لأبي موسى من الطعام الطيب فوالله ما بطن قوم قط إلا فقدوا عقولهم أو بعضها، وما مضى عزم رجل بات بطينا.
وكان يقال: أقلل طعاما تحمد مناما.
ودعا عبد الملك بن مروان رجلا إلى الغداء فقال: ما في فضل، فقال: إني أحب الرجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.
وكان يقال مسكين ابن آدم، أسير الجوع، صريع الشبع.
وسأل عبد الملك أبا الزعيرعة، فقال: هل أتخمت قط؟ قال: لا، قال: وكيف؟
قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نكظ المعدة ولا نخليها.
وكان يقال: من المروءة أن يترك الانسان الطعام وهو بعد يشتهيه.
وقال الشاعر:
فإن قراب البطن يكفيك ملؤه * ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها.
وقال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي: كان عمى يقول لي: لا تخرج يا بنى من منزلك