شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٣٨
فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين، فلحقت بصاحب نصيبين. قالوا: وتلك الصومعة اليوم باقية، وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الاسلام، قال: ثم احتضر صاحب نصيبين، فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم، فأتيته وأقمت عنده، واكتسبت بقيرات وغنيمات، فلما نزل به الموت قلت له: بمن توصي بي؟ فقال: قد ترك الناس دينهم، وما بقي أحد منهم على الحق، وقد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين، لها نخل، قلت: فما علامته؟ قال:
يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، قال: ومر بي ركب من كلب، فخرجت معهم، فلما بلغوا بي وادي القرى ظلموني وباعوني من يهودي، فكنت أعمل له في زرعه ونخله، فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عم له، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها، وبعث الله محمدا بمكة، ولا أعلم بشئ من أمره، فبينا أنا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي، فقال: قاتل الله بنى قيلة، قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة، يزعمون أنه نبي، قال: فأخذني القر والانتفاض، ونزلت عن (1) النخلة، وجعلت أستقصي في السؤال، فما كلمني سيدي بكلمة، بل قال: أقبل على شأنك، ودع مالا يعنيك. فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر، وأتيت به النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأن لك أصحابا غرباء ذوي حاجة، وهذا شئ عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، فقال (عليه السلام) لأصحابه: كلوا، وأمسك فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة وانصرفت، فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي وأتيته به، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية،

(1) ب " من ".
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407