فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين، فلحقت بصاحب نصيبين. قالوا: وتلك الصومعة اليوم باقية، وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الاسلام، قال: ثم احتضر صاحب نصيبين، فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم، فأتيته وأقمت عنده، واكتسبت بقيرات وغنيمات، فلما نزل به الموت قلت له: بمن توصي بي؟ فقال: قد ترك الناس دينهم، وما بقي أحد منهم على الحق، وقد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين، لها نخل، قلت: فما علامته؟ قال:
يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، قال: ومر بي ركب من كلب، فخرجت معهم، فلما بلغوا بي وادي القرى ظلموني وباعوني من يهودي، فكنت أعمل له في زرعه ونخله، فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عم له، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها، وبعث الله محمدا بمكة، ولا أعلم بشئ من أمره، فبينا أنا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي، فقال: قاتل الله بنى قيلة، قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة، يزعمون أنه نبي، قال: فأخذني القر والانتفاض، ونزلت عن (1) النخلة، وجعلت أستقصي في السؤال، فما كلمني سيدي بكلمة، بل قال: أقبل على شأنك، ودع مالا يعنيك. فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر، وأتيت به النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأن لك أصحابا غرباء ذوي حاجة، وهذا شئ عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، فقال (عليه السلام) لأصحابه: كلوا، وأمسك فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة وانصرفت، فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي وأتيته به، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية،