(124) الأصل:
توقوا البرد في أوله، وتلقوه في آخره، فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوله يحرق، وآخره يورق.
* * * الشرح:
هذه مسألة طبيعية قد ذكرها الحكماء، قالوا: لما كان تأثير الخريف في الأبدان، وتوليده الأمراض كالزكام والسعال وغيرهما أكثر من تأثير الربيع، مع أنهما جميعا فصلا اعتدال، وأجابوا بأن برد الخريف يفجأ الانسان وهو معتاد لحر الصيف فينكأ فيه، ويسد مسام دماغه، لان البرد يكثف ويسد المسام فيكون كمن دخل من موضع شديد الحرارة إلى خيش بارد. فأما المنتقل من الشتاء إلى فصل الربيع فإنه لا يكاد برد الربيع يؤذيه ذلك الأذى لأنه قد اعتاد جسمه برد الشتاء، فلا يصادف من برد الربيع إلا ما قد اعتاد ما هو أكثر منه، فلا يظهر لبرد الربيع تأثير في مزاجه فأما لم أورقت الأشجار وأزهرت في الربيع دون الخريف؟ فلما في الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو والنفس النباتية، وهما الحرارة والرطوبة وأما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين ومستبدل بهما ضدهما،