لا يذكر لأبيه شيئا، وكان يقود أباه إلى المسجد وقد ذهب بصره، فقال له أبوه يوما:
أذهبت إلى عمك؟ قال: نعم، وسكت فعرف حين سكت أنه لن يجد عند عمه ما يحب. فقال له: يا بنى ألا تخبرني ما قال لك؟ قال: أيفعل أبو هاشم - وكانت كنية المغيرة - فربما فعل، ولكن اغد غدا إلى السوق فخذ لي عينه، فغدا عبد الله فتعين عينه من السوق لأبيه وباعها، فأقام أيام لا يبيع أحد في السوق طعاما ولا زيتا غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين فدفعها إليهم.
وكان أبو بكر خصيصا بعبد الملك بن مروان، وقال عبد الملك لابنه الوليد لما حضرته الوفاة: إن لي بالمدينة صديقين فاحفظني فيهما: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وكان يقال: ثلاثة أبيات من قريش توالت بالشرف خمسة خمسة، وعدوا منها أبا بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة.
قالوا: ومنا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كان أجود الناس بالمال، وأطعمهم للطعام، وكانت عينه أصيبت مع مسلمة بن عبد الملك في غزوة الروم، وكان المغيرة ينحر الجزور، ويطعم الطعام حيث نزل ولا يرد أحدا، فجاء قوم من الاعراب فجلسوا على طعامه، فجعل أحدهم يحد النظر إليه، فقال له المغيرة مالك تحد النظر إلى! قال: إني ليريبني عينك وسماحك بالطعام، قال ومم ارتبت؟ قال: أظنك الدجال، لأنا روينا أنه أعور، وأنه أطعم الناس للطعام، فقال المغيرة: ويحك! إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله. وللمغيرة يقول الأقيشر الأسدي لما قدم الكوفة فنحر الجزر وبسط الأنطاع وأطعم الناس، وصار صيته في العرب: