شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ١٦٩
العوض لم يجز أن يقال: إن العوض يحط السيئات بنفسه، لا على قول أصحابنا، ولا على قول الإمامية، أما الامامية فإنهم مرجئة، لا يذهبون إلى التحابط، وأما أصحابنا فإنهم لا تحابط عندهم إلا في الثواب والعقاب، فأما العقاب، والعوض فلا تحابط بينهما، لان التحابط بين الثواب والعقاب، إنما كان باعتبار التنافي بينهما من حيث كان أحدهما يتضمن الاجلال والاعظام، والاخر يتضمن الاستخفاف والإهانة، ومحال أن يكون الانسان الواحد مهانا معظما في حال واحدة ولما كان العوض لا يتضمن إجلالا وإعظاما، وإنما هو نفع خالص فقط، لم يكن منافيا للعقاب، وجاز أن يجتمع للانسان الواحد في الوقت الواحد كونه مستحقا للعقاب والعوض، أما بأن يوفر العوض عليه في دار الدنيا، وإما بأن يوصل إليه في الآخرة قبل عقابه إن لم يمنع الاجماع من ذلك في حق الكافر، وأما أن يخفف عليه بعض عقابه، ويجعل ذلك بدلا من العوض الذي كان سبيله أن يوصل إليه، وإذا ثبت ذلك وجب أن يجعل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على تأويل صحيح، وهو الذي إرادة (عليه السلام)، لأنه كان أعرف الناس بهذه المعاني، ومنه تعلم المتكلمون علم الكلام، وهو أن المرض والألم يحط الله تعالى عن الانسان المبتلى به ما يستحقه من العقاب على معاصيه السالفة تفضلا منة سبحانه، فلما كان إسقاط العقاب متعقبا للمرض، وواقعا بعدة بلا فصل، جاز أن يطلق اللفظ بأن المرض يحط السيئات ويحتها حت الورق، كما جاز أن يطلق اللفظ بأن الجماع يحبل المرأة، وبان سقى البذر الماء ينبته، إن كان الولد والزرع عند المتكلمين وقعا من الله تعالى على سبيل الاختيار، لا على الايجاب، ولكنه أجرى العادة، وأن يفعل ذلك عقيب الجماع وعقيب سقى البذر الماء.
فإن قلت: أيجوز أن يقال: إن الله تعالى يمرض الانسان المستحق للعقاب، ويكون إنما أمرضه ليسقط عنة العقاب لا غير؟.

(1) ا: " يحط عنه السيئات ".
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407