قلت: لا، لأنه قادر على أن يسقط عنة العقاب ابتداء، ولا يجوز إنزال الألم إلا حيث لا يمكن اقتناص العوض المجزى به إليه إلا بطريق الألم، وإلا كان فعل الألم عبثا، ألا ترى أنة لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه ويقول: إنما أضربه لأجعل ما يناله من ألم الضرب مسقطا لما أستحقه من الدراهم عليه؟ وتذمه العقلاء ويسفهونه، ويقولون له فهلا وهبتها له، وأسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه وتؤلمه! والبحث المستقصى في هذه المسائل مذكور في كتبي الكلامية، فليرجع إليها. وأيضا فإن الآلام قد تنزل بالأنبياء وليسوا ذوي ذنوب ومعاص ليقال: إنها تحطها عنهم.
فأما قولة (عليه السلام): " وإنما الاجر في القول... " إلى آخر الفصل، فإنه (عليه السلام) قسم أسباب الثواب أقساما، فقال: لما كان المرض لا يقتضى الثواب لأنه أو ليس فعل المكلف - وإنما يستحق المكلف الثواب على ما كان من فعله - وجب أن يبين ما الذي يستحق به المكلف الثواب، والذي يستحق المكلف به ذلك أن يفعل فعلا إما من أفعال الجوارح، وإما من أفعال القلوب، فأفعال الجوارح إما قول باللسان أو عمل ببعض الجوارح وعبر عن سائر الجوارح - عد اللسان - بالأيدي والاقدام، لان أكثر ما يفعل بها، وإن كان قد يفعل بغيرها نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها وتحصينه عن الزنا، ونحو أن ينحى حجرا ثقيلا برأسه عن صدر إنسان قد يقتله، وغير ذلك، وأما أفعال القلوب فهي العزوم والإرادات والنظر والعلوم والظنون والندم، فعبر (عليه السلام) عن جميع ذلك بقوله: " بصدق النية والسريرة الصالحة، واكتفى بذلك عن تعديد هذه الأجناس.
فإن قلت: فإن الانسان قد يستحق الثواب على ألا يفعل القبيح، وهذا يخرم الحصر الذي حصره أمير المؤمنين؟
قلت: يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي على في أن القادر بقدرة لا يخلو عن الاخذ والترك.