قوله عليه السلام: " واسع في كدحك " أي أذهب ما اكتسبت بالانفاق، والكدح ها هنا: هو المال الذي كدح في حصوله، والسعي فيه إنفاقه، وهذه كلمة فصيحة، وقد تقدم نظائر قوله: " ولا تكن خازنا لغيرك ".
ثم أمره أن يكون أخشع ما يكون لله إذ هداه لرشده، وذلك لان هدايته إياه إلى رشده نعمة عظيمة منه، فوجب أن يقابل بالخشوع لأنه ضرب من الشكر.
الأصل:
واعلم أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، ومشقة شديدة، وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد، مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده.
واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.
واعلم أن أمامك عقبة كؤودا، المخف فيها أحسن حالا من المثقل، والمبطئ عليها أقبح أمرا من المسرع، وأن مهبطها بك لا محالة، أما على جنة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدنيا منصرف.