الحسن بن علي عليه السلام وعمار بن ياسر، يستنفران الناس إلى علي عليه السلام، ومعهما كتابه، فلما فرغا من قراءة كتابه، قام الحسن - وهو فتى حدث، والله انى لأرثى له من حداثة سنه وصعوبة مقامه - فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه، وكان عليلا من شكوى به، فقال الحمد لله العزيز الجبار، الواحد القهار، الكبير المتعال، (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار). أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أمتن علينا بنبوته، واختصه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجن، حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان، وجحد الرحمن، فصلى الله عليه وعلى آله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين. أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - أرشد الله امره، وأعز نصره - بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب، وإلى العمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله. ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه، ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع مشاهده. وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الاسلام ما قد بلغكم، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله راضيا عنه، حتى غمضه بيده وغسله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته، وغير ذلك من أموره، كل ذلك من من الله عليه. ثم والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه حسدا له وبغيا عليه. فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجد والصبر والاستعانة بالله
(١٢)