فأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال: لما قدم محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر الكوفة، استنفرا (1) الناس، فدخل قوم منهم على أبى موسى ليلا، فقالوا له أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي عليه السلام، فقال أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج وبلغ ذلك المحمدين، فأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إن بيعة عثمان لفي عنق على وعنقي وأعناقكما، ولو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتله عثمان فخرجا من عنده، فلحقا بعلي عليه السلام، فأخبراه الخبر.
وأما رواية أبى مخنف، فإنه قال: أن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة، دعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري، فاستشاره، فقال اتبع ما كتب به إليك فأبى ذلك، وحبس الكتاب، وبعث إلى هاشم يتوعده ويخوفه.
قال السائب: فأتيت هاشما فأخبرته برأي أبى موسى، فكتب إلى علي عليه السلام:
لعبد الله على أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة أما بعد يا أمير المؤمنين، فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود، ظاهر الغل والشنان، فتهددني بالسجن، وخوفني بالقتل، وقد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة، أخي طئ، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده علم ما قبلنا، فاسأله عما بدا لك، واكتب إلى برأيك والسلام.
قال: فلما قدم المحل بكتاب هاشم على علي عليه السلام سلم عليه، ثم قال: الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله، ووضعه موضعه، فكره ذلك قوم قد والله كرهوا نبوة محمد صلى الله عليه وآله، ثم بارزوه وجاهدوه، فرد الله عليهم كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم. والله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن، حفظا لرسول الله صلى الله عليه وآله في أهل بيته، إذ صاروا أعداء لهم بعده.