فان قلت فعلى هذا كم تكون مدة عبادة إبليس إذا كانت ستة آلاف سنة من سنى الآخرة قلت يكون ما يرتفع من ضرب أحد المضروبين في الآخرة، وهو ألفا الف الف، ثلاث لفظات، الأولى منهم مثناة، ومائة الف الف لفظتان، وستون الف الف سنة لفظتان أيضا من سنى الدنيا ولما رأى أمير المؤمنين عليه السلام هذا المبلغ عظيما جدا علم أن أذهان السامعين لا تحتمله، فلذلك أبهم القول عليهم، وقال (لا يدرى امن سنى الدنيا أم من سنى الآخرة).
فان قلت فإذا كنتم قد رجحتم قول من يقول إن عمر الدنيا خمسون الف سنة، فكم يكون عمرها إن كان الله تعالى أراد خمسين الف سنة من سنى الآخرة لأنه لا يؤمن أن يكون أراد ذلك إذا كانت السنة عنده عبارة عن مدة غير هذه المدة التي قد اصطلح عليها الناس قلت يكون ما يرتفع من ضرب خمسين ألفا في ثلاثمائة وستين الف من سنى الدنيا ومبلغ ذلك ثمانية عشر الف الف الف سنة من سنى الدنيا ثلاث لفظات، وهذا القول قريب من القول المحكى عن الهند.
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه روايات كثيرة بأسانيد أوردها عن جماعة من الصحابة أن إبليس كان إليه ملك السماء وملك الأرض، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم كانوا خزان الجنان، وكان إبليس رئيسهم ومقدمهم. وكان أصل خلقهم من نار السموم، وكان اسمه الحارث، قال وقد روى أن الجن كانت في الأرض، وانهم أفسدوا فيها، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وطردهم إلى جزائر البحار، ثم تكبر في نفسه، ورأي أنه قد صنع شيئا عظيما لم يصنعه غيره. قال وكان شديد الاجتهاد في العبادة.