قال (ونفيا للاستكبار عنهم); لان العبادات خضوع وخشوع وذلة، ففيها نفى الخيلاء والتكبر عن فاعليها، فأمرهم بالاعتبار بحال إبليس الذي عبد الله ستة آلاف سنة; لا يدرى امن سنى الدنيا أم من سنى الآخرة وهذا يدل على أنه قد سمع فيه نصا من رسول الله صلى الله عليه وآله مجملا لم يفسره له، أو فسره له خاصة، ولم يفسره أمير المؤمنين عليه السلام للناس لما يعلمه في كتمانه عنهم من المصلحة.
فان قلت قوله (لا يدرى) على ما لم يسم فاعله يقتضى انه هو لا يدرى قلت إنه لا يقتضى ذلك، ويكفي في صدق الخبر إذا ورد بهذه الصيغة أن يجهله الأكثرون.
فاما القول في سنى الآخرة كم هي فاعلم أنه قد ورد في الكتاب العزيز آيات مختلفات:
إحداهن قوله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة) (١).
والأخرى قوله ﴿يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون﴾ (٢).
والثالثة قوله ﴿وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ (3).
وأولى ما قيل فيها أن المراد بالآية الأولى مدة عمر الدنيا، وسمى ذلك يوما، وقال إن الملائكة لا تزال تعرج إليه باعمال البشر طول هذه المدة حتى ينقضي التكليف، وينتقل الامر إلى دار أخرى. واما الآيتان الأخيرتان فمضمونهما بيان كمية أيام الآخرة، وهو أن كل يوم منها مثل الف سنة من سنى الدنيا.