قال أبو جعفر: وقد روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد﴾ (1)، وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) (2)، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروى ذلك.
قال: وقد صح أن بنى أمية منعوا من إظهار فضائل علي عليه السلام، وعاقبوا [على] ذلك الراوي له، حتى إن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه، فيقول: عن أبي زينب.
وروى عطاء، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلى الليل، وأن عنقي هذه ضربت بالسيف.
قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لا نقطع نقلها للخوف والتقية من بنى مروان مع طول المدة، وشدة العداوة، ولولا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة، ألا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح لخمل ذكره، ونسي اسمه، وصار وهو موجود معدوما، وهو حي ميتا! هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل.
* * *