أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا ثم ذكر أن بعضهم أراد الكتاب وبعضهم وافق عمر وأنه لما أكثروا اللغو والاختلاف قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قوموا أعلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) معصوم من الكذب ومن تغيير شئ من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه وليس معصوما من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته وقد سحر (صلى الله عليه وسلم) حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يكن فعله ولم يصدر منه (صلى الله عليه وسلم) وفي هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها فإذا علمت ما ذكرناه فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي (صلى الله عليه وسلم) به فقيل أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع وفتن وقيل أراد كتابا يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحى إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحى إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب (صلى الله عليه وسلم) أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر حسبنا كتاب الله لقوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ وقوله اليوم أكملت لكم دينكم فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقة قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين عليه الوجع ولو كان مراده (صلى الله عليه وسلم) أن يكتب مالا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى به ما أنزل إليك كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في ذلك الحال باخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكر في الحديث قال البيهقي وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله
(٩٠)