وضع كتابه في الأغاني وأمكن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من اثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون مالا يدرون وقال هو والجاحظ لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ثم زعم أنه إنما كان اختلاف الأمة رحمة في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) خاصة فإذا اختلفوا سألوه فبين لهم والجواب عن هذا الاعتراض الفاسد أنه لا يلزم من كون الشئ رحمة أن يكون ضده عذابا ولا يلتزم هذا ويذكره الا جاهل أو متجاهل وقد قال الله تعالى رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه فسمى الليل رحمة ولم يلزم من ذلك أن يكون النهار عذابا وهو ظاهر لا شك فيه قال الخطابي والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام أحدها في اثبات الصانع ووحدانيته وانكار ذلك كفر والثاني في صفاته ومشيئته وانكارها بدعة والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوها فهذا جعله الله تعالى رحمة وكرامة للعلماء وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة هذا آخر كلام الخطابي رحمة الله وقال المازري أن قيل كيف جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع قوله (صلى الله عليه وسلم) ائتوني أكتب وكيف عصوه في أمره فالجواب أنه لا خلاف أن الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال أصلها للندب ومن الوجوب إلى الندب عند من قال أصلها للوجوب وتنقل القرائن أيضا صيغة أفعل إلى الإباحة وإلى التخبير وإلى غير ذلك من ضروب المعاني فلعله ظهر منه (صلى الله عليه وسلم) من القرائن ما دل على أنه لم يوجب عليهم بل جعله إلى اختيارهم فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم وهو دليل على رجوعهم إلى الاجتهاد في الشرعيات فأدى عمر رضي الله عنه اجتهاده إلى الامتناع من هذا ولعله اعتقد أن ذلك صدر منه (صلى الله عليه وسلم) من غير قصد جازم وهو المراد بقولهم هجر وبقول عمر غلب عليه الوجع وما قارنه من القرائن الدالة على ذلك على نحو ما يعهدونه من أصوله (صلى الله عليه وسلم) في تبليغ الشريعة وأنه يجري مجرى غيره من طرق التبليغ المعتادة منه (صلى الله عليه وسلم) فظهر ذلك لعمر دون غيره فخالفوه ولعل عمر خاف أن المنافقين قد يتطرقون إلى القدح فيما اشتهر من قواعد الإسلام وبلغه (صلى الله عليه وسلم) الناس بكتاب في خلوة وآحاد يضيفون إليه شيئا لشبهوا به على الذين في قلوبهم مرض ولهذا قال عندكم القرآن حسبنا كتا ب الله وقال القاضي عياض وقوله أهجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في صحيح مسلم وغير أهجر على الاستفهام وهو
(٩٢)