الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا، فيعي أهل الفقه مقالتك ويضعوها على مواضعها، قال: فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة ".
ثم يذكر بعده أن عمر صعد المنبر في أول جمعة قدم المدينة فخطب وقال في خطبته: " إنه قد بلغني أن فلانا قال: والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا، فلا يغرن امرءا أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. فمن بايع رجلا من المسلمين بغير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا "... الخ. وقد ذكرنا بقية اسنادها في ذكر التحصن بدار فاطمة وفي ذكر موقف عمر ورأيه.
وروى ابن أبي الحديد في 2 / 123 عن الجاحظ أنه قال: " إن الذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلانا، عمار بن ياسر، قال: لو قد مات عمر لبايعت عليا (ع) فهذا القول هو الذي هاج عمر فخطب ما خطب ".
وقال غيره من أهل الحديث: إنما كان المعزوم على بيعته لو مات عمر (طلحة بن عبيد الله). لا يهمنا معرفة الرجل المعزوم على بيعته. وإنما المهم أن الخليفة قد ذكر في خطبته (المشورة) في أمر الخلافة. ولم يسبق للنبي أن ذكر الشورى والمشورة لتعيين الخليفة من بعده، وقد تمت بيعة أبي بكر بغتة وفلتة كما صرح هو بذلك. وإن عمر نفسه أيضا قد بويع بتعيين من أبي بكر لا بالشورى والمشورة. إذا فقد كان أبو حفص أول من فكر في تعيين الخليفة من بعده بطريقة الشورى، ويظهر من تصريحه في هذه الخطبة أنه كان قد فكر في الشورى من قبل أن يطعنه عبد المغيرة بن شعبة فيروز.