السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ١٠٨
ولو أنهم قصدوا بالفتح تعميم العدالة والحكمة والعلم والمساواة لما فتكوا بأهل العلم من الصحابة أو إبعادهم، ولما أمر عمر ولاته بحرق كتب العلم والأدب والفلسفة والفنون من نتاج أدمغة المفكرين من العلماء والأدباء والفنانين والكتاب خلال آلاف السنين في الإسكندرية وبلاد الروم وبلاد فارس، بل لجهل الخليفة بمقام العلم وجهل عماله (1)..
وماذا يعمل علي (عليه السلام) ولا حكم لمن لا يطاع...
هذا وهم يعلمون مقامه العلمي وفضله، ولكن الأنانية والحسد والحقد والغيرة وما يحملونه من غرائز متأصلة تمنعهم من مشورته أكثر الأوقات، ولطالما شاوروه في أمور عندما أعيتهم الحيلة حينما وجه لهم اليهود والنصارى أسئلة محرجة فاضطروا لمشورته، أو اتفق وحضر مجلسهم وعدل المعوج من أعمالهم، ويشهد على صحة ذلك حينما قال عمر كرارا ومرارا (لولا علي لهلك عمر).
وهل عرفوا له حقه ومقامه العلمي، وهل سألوه وهو يعلن لهم: " سلوني قبل أن تفقدوني "، ويقول: " هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله "، وهو يوضح لهم أنه أعلم بالسماء مما في الأرض، وأنه يعلم تأويل القرآن وكل آية وفيما نزلت، ويعلم متشابهه ومحكمه، وقد وجدوا من علمه أنه لم يرد سائلا إلا علمه على قدر إدراكه، وقد برهنت أقواله وأعماله على الحقيقة، فهذا نهج البلاغة وما فيه شاهد على مقامه العلمي والأدبي، كما شهدت أعماله، وأين منه من يسأل عن (القدر) فيعجز عن جوابه، وكيف هدد أبو بكر السائل حينما سأله عن القدر، فيتحامل على السائل ويهدده حتى لا يتجاسر غيره على السؤال (2)، وهو يعرف فحوى الآية (وأما السائل فلا تنهر) وعجز عن تفسير الكلالة ولم يعرف معنى الأب في الآية (وفاكهة

(1) راجع بذلك الكتاب الرابع من موسوعتنا في حرق كتب العلم وشكاية أهل العلم عليه.
(2) راجع كتابنا الثالث في أبي بكر.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»
الفهرست