وإن في كل جسم حي حكومة خاصة به كما لجسم الإنسان. وحيث إن الإنسان أقرب لنفسه، والحديث يقول: من عرف نفسه فقد عرف ربه، كانت تلك حقيقة ثابتة، لذا نبحث فيها لنرى بعض الأسرار. ومع أني بحثته في كتابي " الحكومة العالمية المثلى " بحثا مسهبا، إلا أنه وبغية الوصول إلى ما أتوخاه من تقريب الموضوع لفكر القارئ الكريم أبحثه هنا بصورة موجزة، فأقول:
الإنسان أبدع حكومة عالمية مثلي توجد في جسم الإنسان، فالبدن الإنساني كحكومة قائمة بذاتها، أفرادها الخلايا وجماعاتها في الأنسجة والعضلات وأعضاء البدن، ومنظماتها ذات تخصص كل في فنه، لها مميزاتها وخواصها وأعمالها ومراكزها الثابتة، كل منها يقوم بخدمة المجموع، والمجموع لخدمة الأفراد، تشدها رابطة مشتركة، وصلة وثيقة، وسير فطري طبيعي لكل ما يدور في عالمها الجسمي ذي القوى البدنية والمعنوية، يشد بعضها بعضا، لا ينقصها في حياتها شئ، فهي كاملة، بديعة الاتفاق بمنظماتها وصلاتها وأعمالها ودفاعها وهجومها وتدابيرها الوقائية وسعيها الدائب في إدامة الحياة الفردية والحياة الجماعية، والحجيرات والخلايا في البدن الإنساني تشابه الأفراد في المجتمع البشري، وكما أن كل حجيرة وخلية لها أهميتها بالنسبة للجهاز الذي تعمل فيه فكذلك المرء له أهميته بالنسبة للمجال الذي يعمل به، فحجيرة المخ والمخيخ، وحجيرة القلب والكبد والكلية تختلف أهمية عن بعضها، كما تقل عنها أهمية حجيرات أعضاء الحركة في الأطراف، وهكذا حجيرات أجهزة البصر والسمع والذوق تقابلها حجيرات أقل أهمية، تلك هي حجيرات البشرة والأنسجة الواقية في الجانب الوحشي من البدن الإنساني، ورب مجموعة من حجيرات المخ والمخيخ أو عضلة القلب والتنفس تبلغ من الأهمية بمكان تتوقف عليه إدامة الحياة،