السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ٩٨
هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أراد أن لا يضلوا؟! أم هجر أبو بكر حينما أراد كتابة العهد فأغمي عليه حتى أتم العهد عثمان لعمر، فكان جزاءه أن كتب عمر له العهد باسم الشورى، وقدمها لقمة سائغة لبني أمية حينما ثبت أقدامهم منذ عهد أبي بكر بتوليته لأبناء أبي سفيان في أرض الشام ولابن النابغة في مصر ولأزنى ثقيف المغيرة ابن شعبة وأضرابهم، في حين قد منع الحديث بقوله: عندنا كلام الله، كلمة حق أراد بها الباطل.
نعم أراد بها ترك الحديث،.. ترك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفضائل ذريته والأحاديث النازلة فيهم (عليهم السلام) وما جاء في علي (عليه السلام) من الوصاية والفضائل، وما يمكن أن يفضح خططهم لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوضح كل شئ بعده، فأبو بكر لقب خالد بسيف الله عندما قتل مالك بن نويرة وأفراد عشيرته المسلمين ونزا على زوجته وأراد عمر حده، مع أنه قد ثبت له أن مالكا وجماعته كانوا مسلمين إذ أعطى الدية لأخيه، وبرأ خالدا بأنه اجتهد فأخطأ، وظل يستمر بمثل تلك الاجتهادات والأخطاء على مرأى من الخليفة أبي بكر، هكذا يتلاعبون بمقدرات الإسلام، وهو الذي قال فيه عمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة (1) وقى الله المسلمين

(١) الرضوي: قال ابن الأثير: حديث عمر: إن بيعة أبي بكر كان فلتة.
أراد بالفلتة: الفجأة ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة... والفلتة كل شئ فعله من غير روية. (النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٤٦٧).
وقال ابن أبي الحديد:
إن الشيعة لم تسلم لعمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة.
قال محمد بن هاني المغربي:
ولكن أمرا كان أبرم بينهم * وإن قال قوم فلتة غير مبرم زعموها فلتة فاجية لا * ورب البيت والقصر المشيد إنما كانت أمورا نسجت * بينهم أسبابها نسج البرود (شرح نهج البلاغة: ١ / ٢٧ ط أولى بمصر، وانظر فتح الباري لابن حجر العسقلاني:
٥ / ١٦ - ٧ / ٥٥ ط دار المعرفة بيروت، كنز العمال: ١٢ / ٦٨٠ رقم الحديث: ٣٦٠٤٤ ط.
مؤسسة الرسالة بيروت).
وقال الأستاذ أحمد حسين يعقوب المحامي تحت عنوان:
أسوأ وداع لأعظم إمام عرفته البشرية:
لم يصدف طوال التاريخ البشري أن يدعو ولي الأمر سواء كان خليفة، أو ملكا وهو مريض بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يصدف أن اعترض المسلمون خليفة إذا أراد أن يكتب توجيهاته النهائية، أو يستخلف من بعده بل على العكس قال ابن خلدون في مقدمته:
إن الخليفة ينظر للناس حال حياته ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته، ويقيم لهم من يتولى أمورهم. (راجع: مقدمة ابن خلدون ص ١٧٧، وكتابنا الخطط السياسية ص ٣٨٢).
لقد مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل أن يموت، وقبل وفاته بقليل دعا عثمان ليكتب له توجيهاته النهائية، وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفذوا توجيهاته النهائية بدقة، وعاملوه بكل الاحترام، والتوقير، ولم يقل أحد منهم إن أبا بكر قد هجر، ولا قالوا: إن المرض قد اشتد به، ولا قالوا: حسبنا كتاب الله. (راجع: تاريخ الطبري: ٣ / ٤٢٩، وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧، وتاريخ ابن خلدون: ٢ / ٨٥، وكتابنا: النظام السياسي ص ١٥٩).
وعندما كتب أبو بكر توجيهاته النهائية كان عمر يقول: أيها الناس: اسمعوا، وأطيعوا قول خليفة رسول الله.. (راجع: تاريخ الطبري: ١ / ١٣٨).
مقارنة بين موقف عمر، وحزبه من أبي بكر وموقفهم من رسول الله!!
فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر وحزبه أكثر من قيمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقداسته!!!؟
أجب كما يحلو لك فإنه الواقع المر. ثم انظر إلى موقف المسلمين عند طعن عمر، وأراد أن يكتب توجيهاته النهائية وقد اشتد به المرض أكثر مما اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ١ / ٢١ - ٢٢ والطبقات لابن سعد: ٢ / ٣٦٤ وكتابنا: الخطط السياسية ص ٣٦٧ - ٣٦٨).
ومع هذا كتب عمر توجيهاته، وعهد لستة نظريا، وعهد لعثمان عمليا، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته النهائية. (راجع: الطبقات لابن سعد: ٣ / ٢٤٧ وأنساب الأشراف: ٥ / ١٨، وتاريخ الطبري: ٥ / 33).
وصارت توجيهات أبي بكر وعمر شرعا سياسيا نافذا لم يقل أحد إن عمر قد هجر!!
ولم يقل أحد: حسبنا كتاب الله إنما عومل عمر بكل التقديس والاحترام، ونقلت توجيهاته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله وأكثر فهل لأبي بكر وعمر قداسة عند المسلمين أكثر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبأي كتاب قد أنزل بأنهما أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!.
أجب كما يحلو لك فإنك لن تغير الحقيقة المرة!! (الوجيز في الإمامة والولاية ص 170 - 171 " مخطوط ").
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 96 97 98 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست