مكث حجر بن عدي في بيت ربيعة يوما وليلة فأرسل إلى محمد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أمانا حتى يبعث به إلى معاوية فجمع محمد جماعة منهم جرير بن عبد الله، وحجر بن يزيد، وعبد الله بن الحارث أخو الأشتر، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية فأجابهم فأرسلوا إلى حجر بن عدي فحضر عند زياد فلما رآه قال:
مرحبا بك أبا عبد الرحمن! حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس. على أهلها تجنى براقش. فقال حجر: ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإني لعلى بيعتي. فقال:
هيهات هيهات يا حجر! أتشج بيد وتأسو بأخرى؟ وتريد إذا أمكننا الله منك أن نرضى؟
كلا والله لأحرصن على قطع خيط رقبتك. فقال: ألم تؤمني حتى أتى معاوية فيرى في رأيه؟ قال: بلى، إنطلقوا به إلى السجن، فلما مضى به قال: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه. فأخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال، وزياد ماله غير الطلب لرؤس أصحاب حجر.
عمرو بن الحمق خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه وبلغ عامل ذلك الرستاق يقال له: عبيد الله بن أبي بلتعة خبرهما فسار إليهما في الخيل فخرجا إليه، فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى فلم يكن عنده امتناع. وأما رفاعة فكان شابا قويا فوثب على فرس له جواد وقال لعمرو:
أقاتل عنك؟ قال: وما ينفعني أن تقتل؟! أنج بنفسك. فحمل عليهم فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان راميا فلم يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه، وأخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر عليكم. فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي فلما رأى عمرا عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية: إنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.
فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى منهن أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية فكان رأسه أول رأس حمل في الاسلام.