وليه، قال: فتمسك بولايته فهو أمرنا باطلاقك، فلم يمكنا المخالفة لامره، ثم أمر بي فجهزت وأصحبني من أوصلني مكرما إلى مأمني.
قال الشيخ أبو المفضل رحمه الله: فذكرت هذا الحديث في مجلس أبي وائل داود بن حمدان بنصيبين سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة، وحضر هذا المجلس يومئذ رجل من أهل نصيبين يقال له أبو عثمان سعيد بن البندقي الشاعر، وكان من شهود البلد، فقال أبو عثمان عند قولي ما تقدم من قول أبي العباس ابن كشمرد: على يدي كان الحديث وذلك أني حججت في سنة الهبير وهي السنة التي أسر فيها أبو العباس ابن كشمرد، والخال وفلفل الخادم وغيرهم من وجوه الأولياء مع أبي الهيجاء وأسرت فيمن أسر معهم من الحاج.
فطال بالأحساء محبسنا، وكنت أقول الشعر فامتدحت السيد أبي الطاهر بقصيدة أوصلها إليه أبو الهيجاء، فأذن لي السيد بالدخول، والخروج من الحبس فكنت أدخل على أبي العباس ابن كشمرد وكان يأنس بي ويحدثني فأرسل إلي ذات يوم في السحر قبل طلوع الشمس وقال لي: خذ هذه الرقعة وهي في كتلة الطين وامض بها إلى موضع وصفه لي، وكان فيه ماء جار، قال: واقرأ سورة يس واطرح الرقعة في الماء فأخذتها فصرت إلى الماء، وأحببت أن أقف على الرقعة فقلعت الطين عنها ونشرتها وقرأت ما فيها.
قال أبو عثمان: وأخذت عودا وبللته في الماء وكتبت ما في الرقعة على كفي وكتبت اسمي واسم أبي وأمي وأعدت الرقعة في الطين وقرأت سورة يس عني وغسلت كفي في الماء ثم قرأت سورة يس عن أبي العباس ابن كشمرد، وطرحت الرقعة في الماء وعدت إلى مجلسي ذلك بعقب طلوع الشمس، فلم يمض إلا ساعة زمانية وإذا رسول السيد يأمر باحضاري فحضرت فلما بصر بي قال: إنه قد القي في قلبي رحمة لك وقد عملت على إطلاقك فكيف تحب أن تسير إلى أهلك في البر أم في البحر؟ فخشيت إن سرت في البر أن يبدو له، فيلحقوني فيردوني، فقلت: في البحر، فأمر أن يدفع لي كفافي من زاد وتمر، وخرجت في البحر فصرت إلى البصرة.