كبيرا، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل " رب أرني أنظر إليك " (1) فكانت مسألة تلك أمرا عظيما، وسأل أمرا جسيما، فعوقب فقال الله تبارك وتعالى: " لن تراني " في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني.
فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته، وتجلى ربنا تبارك للجبل، فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا (3) ثم أحياه الله وبعثه، فقال: " سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " (3) يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.
وأما قوله: " ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى " (4) يعني محمدا حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: " ما زاغ البصر وما طغى * لقد رآى من آيات ربه الكبرى " (5) رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة، ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عليه السلام عظيم، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم، إلا الله رب العالمين وأما قوله: " يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما " (6) لا تحيط الخلائق بالله عز وجل علما إذا هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء فلا فهم يناله بالكيف ولا قلب يثبته بالحدود، فلا نصفه إلا كما وصف نفسه، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، الأول والآخر، والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الأشياء فليس من الأشياء شئ مثله، تبارك وتعالى فقال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
[فقال عليه السلام:] وأما قوله: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من