لمالكها لم يستكبر عن أمره، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فكذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة، وطرق الحق، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته، وإرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليفة إليه، ومتعلم على سبيل نجاة أولئك هم الأقلون عددا.
وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر، مثل قوله في قوم نوح " وما آمن معه إلا قليل " وقوله فيمن آمن من أمة موسى: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " (1) وقوله في حواري عيسى: حيث قال لسائر بني إسرائيل: " من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " (2) يعني أنهم يسلمون لأهل الفضل فضلهم، ولا يستكبرون عن أمر ربهم، فما أجابه منهم إلا الحواريون.
وقد جعل الله للعلم أهلا، وفرض على العباد طاعتهم، بقوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " (3) وبقوله: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " (4) وبقوله: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " (5) وبقوله: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " (6) وبقوله: " وأتوا البيوت من أبوابها " (7) والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم وحدودهم