من أن يتولى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه، وهم الذين قال الله فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " (1).
فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة، يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل ما يأتونه منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، ففعل ملك الموت فعل الله، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، على يد من يشاء، وإن فعل امنائه فعله، كما قال: " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " (2).
وأما قوله: " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " (3) وقوله: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " (4) فان ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء، وليس كل من وقع عليه اسم الايمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك، لنجت اليهود مع اعترافها، بالتوحيد، وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه مع الكفر، وقد بين الله ذلك بقوله: " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون " (5) وبقوله: " الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " (6).
وللايمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلك أن الايمان قد يكون على وجهين: إيمان بالقلب، وإيمان باللسان، كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قهرهم السيف، وشملهم الخوف، فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، فالايمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور