إنه كان ظلوما جهولا " (1) وقيل الأمانة التكليف والأوامر والنواهي، وقيل أمانات الناس والوفاء بالعهود، وقيل المراد بالعرض عليها العرض على أهلها، و عرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن في تضييع الأمانة الاثم العظيم، فبين جرأة الانسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك، وحمل الأمانة إما قبولها أو تضييعها والخيانة فيها.
قال الزجاج: كل من خان الأمانة فقد حملها، ومن لم يحمل الأمانة فقد أداها وكذلك كل من أثم فقد احتمل الاثم، وقيل معنى عرضنا عارضنا وقابلنا، والمعنى أن هذه الأمانة في جلالة موقعها بحيث لو قيست السماوات والأرض والجبال بها لكانت أرجح، ومعنى " فأبين أن يحملنها " ضعفن عن حملها كذلك " وأشفقن منها " أي خفن، وهذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة تقلدها الانسان فلم يحفظها، بل حملها وضيعها لظلمه على نفسه، ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب.
وقيل: إنه على وجه التقدير أي لو كانت تلك الأشياء عاقلة ثم عرضت الأمانة عليها وهي وظائف الدين أصولا وفروعا لاستثقلت ذلك، ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها، ثم حملها الانسان مع ضعف جسمه ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله.
وقيل: المراد بالأمانة العقل والتكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الانسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية.
وفي كثير من الاخبار أن الأمانة هي الخلافة الكبرى، وحملها ادعاؤها بغير حقها، ولم يجترء السماوات والأرض والجبال على ذلك وفعلها الانسان وهو أبو بكر ومن تبعه في ذلك لأنه كان ظلوما لنفسه في غاية الجهل، وقد مر الكلام في ذلك