العكوف أي الإقامة، والمراد أن عكوفات الهمم وإقاماتها على باب كل أحد في طلب الاحسان منه قد تقطعت وخابت إلا عكوفاتها على باب جودك وإحسانك.
" ومذاهب العقول قد سمت إلا إليك " المذاهب الطرق، ويطلق على الآراء أيضا وسما إلى الشئ ارتفع إليه، والمراد أن طرق العقول والآراء قد ارتفعت إلى الأشياء، أما إليك فقد قصرت عن الارتقاء، وضلت في بيداء العظمة و الكبرياء انتهى.
وأقول: في أكثر النسخ " ومعاكف الهمم قد تعطلت " وفي بعضها " تقطعت " ويحتمل كون المعاكف اسم مكان، ولعله بالنسخة الأولى أنسب، ويمكن أن يكون المراد بقوله " قد سمت " أنها لا تقع على المقصود كما يقال: نبا بصره عن الشئ إذا لم يره، وهذا المعنى أنسب بالفقرتين السابقتين، أي كل جهة تذهب إليه العقول لتحصيل المطالب فلا تقع عليها إلا الطريق الذي ينتهي إليك، ويمكن أن يقرء " سمت " على بناء المجهول بتشديد الميم أي سدت، ويؤيده أن في بعض النسخ سدت.
والملتجأ مصدر بمعنى الالتجاء، قوله: " بنفسي " الباء للمصاحبة، وكونها للتعدية كما توهم بعيد " يا من فتق العقول " أي وسعها وهيئها لمعرفته وجعلها قابلة لها.
" وجعل ما امتن به على عباده " - قال الشيخ البهائي - ره -: أي جعل تكليفنا بعبادته مكافئا " لأداء حق نعمائه مع أن في تكليفنا بعبادته وتشريفنا بخدمته، وجعلنا أهلا " للقيام بها لطفا " جزيلا " و منة عظيمة علينا، ألا ترى أن الملك العظيم إذا شرف شخصا بخدمته وجعله أهلا " لمخاطبته، فان ذلك الشخص يعد ذلك من عظيم ألطاف ذلك الملك، وجزيل مننه عليه، فهو سبحانه لوفور كرمه جعل بعض نعمائه التي من بها علينا ووقفنا لها شكرا " ومكافاتا " منا لبعض نعمائه الأخرى، ومع ذلك قد وعدنا عليها ثوابا " جزيلا " في الآخرة فسبحانه سبحانه ما أعلى شأنه وأعظم امتنانه انتهى.