بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٤ - الصفحة ١٠١
فمتى أصليها؟ قال: ما بين المغرب والعشاء (1).
بيان: الظاهر أن هذه الصلاة هي نافلة المغرب فان ركعتين منها آكد كما مر، ويجوز الاكتفاء في النوافل بالحمد فقط لا سيما عند ضيق الوقت، بل يحتمل في بعض النوافل المتقدمة أيضا " أن يكون كيفية مستحبة لنافلة المغرب، وهذه الأخبار مما يؤيد جواز إيقاع التطوع بعد دخول وقت العشاء (2) إذ لا يفي الوقت بجميعها،

(١) فلاح السائل ص ٢٤٨.
(٢) هذه الأخبار مع ضعف سندها تخالف سنة النبي صلى الله عليه وآله في أعداد النوافل من جهة وفي تعيين أوقات الصلوات أخرى، وقد عرفت فيما سبق مرارا " أن الله لا يعذب على كثرة الصيام والصوم، ولكنه يعذب على ترك السنة.
وذلك لان المراد بالسنة كما عرفت في ج ٨٢ ص ٢٩٥ سيرته العملية المتخذة بإشارات القرآن العزيز كما " وكيفا " زمانا " ومكانا " فمن خالف سنته كما فأتى بالنوافل أكثر مما سنه صلى الله عليه وآله أو كيفا " فأتى بها بتطويل الركوع في ليلة مع تخفيف سائرها وتطويل السجود في ليلة أخرى يتخذها سيرة لنفسه ويقول يا فلان هذه ليلة الركوع وهذه ليلة السجود مثلا، أو لا يفصل بين كل ركعتين بتشهد وسلام، أو يقرء عشر سور في ركعة واحدة يلتزم بها وغير ذلك مما يكثر تعداده.
أو خالف سنته صلى الله عليه وآله زمانا فأتى بالنوافل في وقت الفرائض المختص بها، أو مكانا " فأتى بها في المسجد علانية يلتزم بها، وقد كان صلوات الله عليه يأتي بها في داره الا نوافل شهر رمضان على ما سيأتي في محله.
فمن خالف سنته صلى الله عليه وآله بإحدى هذه الصور فقد أتى بأمر من عنده محدث، " وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ".
وهذا هو المراد بقوله عليه السلام " ما أحدثت بدعة الا ترك بها سنة " وذلك لان السنة قد تترك رأسا "، كمن ترك النوافل من دون تهاون واستخفاف بها، فلا حرج عليه، لما قد صح عنه عليه الصلاة والسلام: "... وسنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة ".
وأما إذا ترك السنة وراء ظهره كأنه لا يعبأ بها، أو حولها عن وجهها كأنه يرى نقصا " فيها فيتمها من عنده، أو خللا فيصلحها ويسدها برأيه، فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وتعداها " ومن خالف سنة النبي متعمدا " فقد كفر " ومن تعداها جهلا اخذ بناصيته ورد إلى السنة، والا فلا يعبأ بأعماله ولا ينصب لها ميزان، لما قد صح عنه عليه الصلاة والسلام: " لا عمل الا بنية ولا نية الا بإصابة السنة ".
وأما الفقهاء والمحدثون من الأصحاب - رضوان الله عليهم - فإنما نقلوا هذه الأحاديث وما ضاهاها في كتبهم المدونة لاعمال اليوم والليلة - مع اعترافهم بضعف سندها، تعولا على قاعدة التسامح في أدلة السنن المبتنية على أحاديث من بلغ، زعما منهم أنها تشمل كل حديث روى فيه ثواب على عمل، مطلقا "، وإن كان العمل مخالفا " للسنة القطعية، وليس كذلك، والا لكان مفادها تصويب البدع والحكم بمشروعيتها، والكذب المفترع على أئمة الدين و حماته، وهذا كما ترى مخالف لضرورة المذهب.
فالمراد من العمل الذي يروى له ثواب من الله إنما هو العمل الثابت بالسنة القطعية كالنوافل المرتبة والتعقيبات والأذكار التي يؤيدها الكتاب والسنة، فإذا ورد في حديث أن صلاة الليل تزيد في الرزق، أو نافلة المغرب تسرع في قضاء حاجته وأن تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام عند المنام خير من خادم يخدم البيت طول النهار، فافتتن المكلف بالحديث وعمل ذاك الخير التماس تلك العائدة ورجاء ذلك الثواب المخصوص، آتاه الله ذلك الثواب تكرما "، وان لم يكن الحديث كما بلغه.
على أن هذه الأحاديث - أحاديث من بلغ - لو كانت لها اطلاقا فإنما تنظر إلى العوام والمقلدين البسطاء، الذين لا يعرفون الحق من الباطل، ولا يكلفون التمييز بين الصحيح و السقيم، وإنما يتعولون في دينهم على رأى الفقهاء والمحدثين، وأما الفقهاء والمحدثون فوظيفتهم الذب عن حوزة الدين، ومعرفة الصحيح من السقيم وطرح الأحاديث والروايات التي لا توجب علما " ولا عملا، لضعف سندها وطعن العلماء في رواتها بالفسق والغلو والجهالة، فهم أولى بأن يؤدوا حق الله عز وجل إليه وهو أن يقولوا ما يعلمون، ويكفوا عما لا يعلمون، وأن يأخذوا بما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ويدعوا ما خالف كتاب الله وسنة نبيه:
ففي الصحيح أن أبا يعفور سأل الصادق عليه السلام عن اختلاف الحديث: يرويه من يوثق به، ومنهم من لا يوثق به، فقال عليه السلام: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا في كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله (يعنى سنته ص) والا فالذي جاءكم به أولى به.
وروى الكشي عن اليقطيني عن أبي محمد يونس بن عبد الرحمن أن بعض أصحابنا سأله فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر انكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا " الا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا " من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبى فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله فانا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام، وقال لي: ان أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتاب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، أنا عن الله وعن رسوله نحدث الخبر.
فعلى هذا لا مناص من أن نتعرف صدق الرواة وأمانتهم ثم بعد ذلك نعرض الحديث على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، فان وافق القرآن وسيرة نبيه صلى الله عليه وآله نقبله، و الا فمن جاء به فهو أولى به، وهذه الأحاديث مع كونها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وآله، رواتها مطعون غالبا " أو مجاهيل، فلا توجب لا علما " ولا عملا، حتى يحتاج إلى الجمع بينها.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * الباب السابع والأربعون * ما ينبغي أن يقرء كل يوم وليلة 1
3 فيما كان في كتاب يوشع بن نون عليه السلام 4
4 قصة عابد من بني إسرائيل 10
5 * أبواب * * النوافل اليومية وفضلها واحكامها وتعقيباتها * * الباب الأول * جوامع أحكامها واعدادها وفضائلها... 21
6 بحث حول إيقاع النافلة في وقت الفريضة، والأقوال فيها 23
7 فيما روى الشهيد في الذكرى في أن رسول الله (ص) فات عنه صلاة الفجر وقضاها 24
8 في قول الله تعالى: ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته... 31
9 فيمن صلى نافلة وهو جالس 35
10 في الفرق بين الفريضة والنافلة 49
11 * الباب الثاني * نوافل الزوال وتعقيبها وأدعية الزوال 52
12 في صلوات صلاها مولانا الرضا عليه السلام 52
13 مما يقال قبل الشروع في نوافل الزوال 59
14 الدعاء بين كل ركعتين من صلاة الزوال 64
15 عدد النوافل والبحث والتوضيح فيها 72(ه‍)
16 * الباب الثالث * نوافل العصر وكيفيتها وتعقيباتها 78
17 الدعاء بين كل ركعتين من صلاة نوافل العصر 78
18 في وقت نافلة العصر، والبحث في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر 86
19 * الباب الرابع * نوافل المغرب وفضلها وآدابها وتعقيباتها وسائر الصلوات المندوبة... 87
20 فيما يقرء في نافلة المغرب من السور 87
21 وقت نافلة المغرب والأقوال فيها 89
22 في صلاة الغفيلة 96
23 من الصلوات بين المغرب والعشاء، وفيه بحث وتحقيق وبيان 100
24 بحث في ذيل الصفحة في الاخبار الضعيفة السند 101(ه‍)
25 * الباب الخامس * فضل الوتيرة وآدابها وعللها وتعقيبها وسائر الصلوات بعد العشاء الآخرة 105
26 فيما يقرء في الوتيرة والدعاء بعدها 108
27 * الباب السادس * فضل صلاة الليل وعبادته، وفيه: آيات، و: أحاديث 116
28 في ذيل الصفحة بيان في التهجد 116(ه‍)
29 تفسير الآيات، ومعنى قوله تعالى: " والمستغفرين بالأسحار " 120
30 معنى قوله تعالى: " قم الليل إلا قليلا " وفيه بيان 126
31 في قول رسول الله (ص): أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل 138
32 معنى قوله عز اسمه: " ورهبانية ابتدعوها " وفيه توضيح 146
33 في أهل قرية أسرفوا في المعاصي وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين 150
34 في قول الصادق عليه السلام: كذب من زعم أنه يصلي بالليل ويجوع بالنهار 153
35 * الباب السابع * دعوة المنادى في السحر واستجابة الدعاء فيه وأفضل ساعات الليل 163
36 في نزول ملك إلى السماء الدنيا في ليلة الجمعة وينادي: هل من تائب؟... 164
37 فيمن لا يستجاب دعاؤه 166
38 * الباب الثامن * أصناف الناس في القيام عن فرشهم وثواب احياء الليل كله أو بعضه... 169
39 في أن الناس في القيام عن فراشهم ثلاثة أصناف 169
40 * الباب التاسع * آداب النوم والانتباه 173
41 الدعاء للانتباه من النوم 173
42 أدعية النوم والانتباه 174
43 الدعاء لمن خاف اللصوص، والاحتلام، ومن أراد رؤيا ميت في منامه 176
44 * الباب العاشر * علة صراخ الديك والدعاء عنده 181
45 في الديك الذي كان تحت العرش 181
46 الدعاء عند استماع صوت الديك 184
47 * الباب الحادي عشر * آداب القيام إلى صلاة الليل والدعاء عند ذلك 186
48 الدعاء عند النظر إلى السماء 186
49 معنى ليل داج 188
50 * الباب الثاني عشر * كيفية صلاة الليل والشفع والوتر وسننها وآدابها وأحكامها 194
51 ترجمة: أبو الدرداء، وعروة بن الزبير 194(ه‍)
52 الدعاء في قنوت الوتر 198
53 في وقت صلاة الليل 206
54 دعاء الوتر وما يقال فيه 211
55 صلاة الليل في ليلة الجمعة 233
56 في الذنوب التي تغير النعم، وتورث الندم، وتنزل النقم، وتهتك الستر... 252
57 الدعاء بعد صلاة الليل 258
58 معنى الدعاء وشرح بعض لغاته 263
59 دعاء في قنوت الوتر ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في الاستغفار 282
60 دعاء الحزين 288
61 ترجمة ابن خانبه، والبحث حوله 291(ه‍)
62 * الباب الثالث عشر * نافلة الفجر وكيفيتها وتعقيبها والضجعة بعدها 310
63 في نافلة الفجر ووقتها، والبحث فيها 310
64 الأدعية التي يقرء بعد ركعتي الفجر وقبل الفريضة 313
65 في أن عليا عليه السلام كان يستغفر سبعين مرة في سحر كل ليلة، وصورة الاستغفار... 326
66 دعاء الصباح 339
67 في سند دعاء الصباح وشرح بعض لغاته 342
68 في الاضطجاع بعد نافلة الفجر 354