فلما عاودني في قوله وكرره أصغيت إليه سمعي فغره، وظنني واتغ ديني فأتبع ما سره أحميت له حديدة ينزجر (1) إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر، ثم أدنيتها من جسمه، فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه، وكاد يسبني سفها من كظمه، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه، فقلت له، ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من الأذى ولا أئن من لظى، والله لو سقطت المكافأة عن الأمم، وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ، فصبرا على دنيا تمر بلاوائها، كليلة بأحلامها تنسلخ، كم بين نفس في خيامها ناعمة. وبين أثيم في جحيم يصطرخ، فلا تعجب (2) من هذا.
وأعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها، فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة، وعوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة، فقال لي: لا ذاك ولا ذاك ولكنه هدية.
فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم، أمختبط أم ذو جنة، أم تهجر؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة، فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها واسترق لي قطانها (1) مذعنة باملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت ولا أردت، ولدنياكم أهون عندي من ورقة في في جرادة تقضمها، وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها، وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها. فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيها، ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها.