الألوف (1) قد تداولتهم أيامها، وابتلعتهم أعوامها، فصاروا أمواتا وفي القبور رفاتا قد يئسوا ما خلفوا (2) ووقفوا على ما أسلفوا، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
وكأني بها وقد أشرفت بطلايعها وعسكرت بفظايعها، فأصبح المرء بعد صحته مريضا، وبعد سلامته نقيصا (3) يعالج كربا ويقاسي تعبا، في حشرجة السباق (4) و تتابع الفواق، وتردد الأنين، والذهول عن البنات والبنين، والمرء قد اشتمل عليه شغل شاغل وهو هائل، قد اعتقل منه اللسان وتردد منه البنان، فأصاب مكروها وفارق الدنيا مسلوبا، لا يملكون له نفعا ولا لما حل به دفعا، يقول الله عز وجل في كتابه: " فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين (5) " ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة ويوم الحسرة والندامة، يوم تنصب الموازين، وتنشر الدواوين بإحصاء كل صغيرة وإعلان كل كبيرة، يقول الله في كتابه " ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " (6) [ثم قال:].
أيها الناس الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين "