بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٤ - الصفحة ٣٧٥
الألوف (1) قد تداولتهم أيامها، وابتلعتهم أعوامها، فصاروا أمواتا وفي القبور رفاتا قد يئسوا ما خلفوا (2) ووقفوا على ما أسلفوا، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
وكأني بها وقد أشرفت بطلايعها وعسكرت بفظايعها، فأصبح المرء بعد صحته مريضا، وبعد سلامته نقيصا (3) يعالج كربا ويقاسي تعبا، في حشرجة السباق (4) و تتابع الفواق، وتردد الأنين، والذهول عن البنات والبنين، والمرء قد اشتمل عليه شغل شاغل وهو هائل، قد اعتقل منه اللسان وتردد منه البنان، فأصاب مكروها وفارق الدنيا مسلوبا، لا يملكون له نفعا ولا لما حل به دفعا، يقول الله عز وجل في كتابه: " فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين (5) " ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة ويوم الحسرة والندامة، يوم تنصب الموازين، وتنشر الدواوين بإحصاء كل صغيرة وإعلان كل كبيرة، يقول الله في كتابه " ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " (6) [ثم قال:].
أيها الناس الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين "

(١) شرف البيت - من باب التفعيل -: جعل له شرفا. وجمهر الشئ: جمعه.
(٢) في المصدر " قد نسوا ما خلفوا ".
(٣) في المصدر " نقيضا " بالضاد المعجمة.
(٤) حشرج الرجل أي غرغر عند الموت وتردد نفسه. والفواق - بالضم -: ما يأخذ الانسان عند النزع، وترجيع الشهقة العالية.
(٥) الواقعة: ٨٦ و ٨٧ وقوله " غير مدينين " أي غير مجزيين يوم القيامة أو غير مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد.
(٦) الكهف: ٤٧.
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست