فان ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور (1) وأنت ملك مطاع وآمن لا تراع يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان (2) بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين أهل الجنة فيها يتنعمون، وأهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في السندس والحرير يتبخترون، وهؤلاء في الجحيم والسعير يتقلبون، هؤلاء تحشا جماجمهم بمسك الجنان وهؤلاء يضربون بمقامع النيران، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال، وهؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالاغلال في قلبه فزع قد أعيى الأطباء، وبه داء لا يقبل الدواء.
يا من يسلم إلى الدود ويهدى إليه اعتبر بما تسمع وترى وقل لعينيك تجفو لذة الكرى وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى (3)، بيتك القبر بيت الأهوال والبلى، وغايتك الموت. يا قليل الحياء، اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال، والحباء والنكال، يوم تقلب إليه أعمال الأنام، وتحصى فيه جميع الآثام، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها وتضع الحوامل ما في بطونها. ويفرق بين كل نفس وحبيبها، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها، إذا تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها، وتبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها (4) أخرجت من معادن الغيب أثقالها، ونفضت إلى الله أحمالها يوم لا ينفع الجد (5) إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا فانشقت القبور بعد طول انطباقها، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها، كشف عن الآخرة غطاؤها، وظهر للخلق أبناؤها، فدكت الأرض دكا دكا (6)، ومدت