الاجر عليه وإنما يأجرهم على حسب أقدارهم ومنازلهم ونياتهم، فمن عرف الله بجماله وجلاله ولطف فعاله فأحبه واشتاق إليه وأخلص عبادته له لكونه أهلا للعبادة ولمحبته له، أحبه الله، وأخلصه واجتباه، وقربه إلى نفسه وأدناه قربا معنويا ودنوا روحانيا كما قال في حق بعض من هذه صفته: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " (1).
وقال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه: ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك، ومن لم يعرف من الله سوى كونه إلها صانعا للعالم، قادرا قاهرا عالما وأن له جنة ينعم بها المطيعين، ونارا يعذب بها العاصين، فعبده ليفوز بجنته أو يكون له النجاة من ناره أدخله الله تعالى بعبادته وطاعته الجنة، وأنجاه من النار لا محالة، كما أخبر عنه في غير موضع في كتابه. فإنما لكل امرئ ما نوى.
فلا تصغ إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة، إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب، زعما منه أن هذا القصد مناف للاخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده، وأن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع إلى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه، فان هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكاليف ومراتب الناس فيها، فان أكثر الناس يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله بهذا المعنى لأنهم لا يعرفون من الله إلا المرجو والمخوف، فغايتهم أن يتذكروا النار ويحذروا أنفسهم عقابها، ويتذكروا الجنة ويرغبوا أنفسهم ثوابها، وخصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى الدنيا، فإنه قلما ينبعث له داعية إلى فعل الخيرات لينال بها ثواب الآخرة، فضلا عن عبادته على نية إجلال الله عز وجل لاستحقاقه الطاعة والعبودية، فإنه قل من يفهمها فضلا عمن يتعاطاها.
والناس في نياتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف، فإنه يتقي النار، ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء، فإنه يرغب