وهذا الذي وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء:
" أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا " (1) وما وصف به الأحجار ههنا نحو ما وصف في قوله تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " (2).
وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والناصب واليهود جمعوا الامرين واقترفوا الخطيئتين، فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى الله عليه وآله فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه إن فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما أريد به وجه الله تعالى وعمل على ما أمر الله تعالى به، فأما ما أريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه وآله وأظهار العناد له والتمالك والشرف عليه فليس بخير، بل هو الشر الخالص، وبال على صاحبه يعذبه الله به أشد العذاب.
فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا ونحن نقول: بل ما تنفقه إلا لابطال أمرك، ودفع رياستك، ولتفريق أصحابك عنك، وهو الجهاد الأعظم نأمل به من الله الثواب الاجل الاجسم وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعوى معك فأي فضل لك علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم، فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم، ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة، ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من موجبها، ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم وقلتم إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، وإذا اقترحتم أنتم فأريكم ما تقترحون، لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه، أو متأتى بحيلة