وعلى الثالث أنه لا يلزم من ذلك وجود حس مشترك، غاية الأمر أن لا تكفي الحواس الظاهرة لمشاهدة الصور حالتي الغيبة والحضور بل يكون لكل حس ظاهر حس باطن.
الثاني الخيال وهي قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأول من الدماغ بحسب المشهور، وعند المحققين الروح المصبوب في التجويف الأول آلة للحس المشترك والخيال، إلا أن المشاهدة اختص بما في مقدمه والتخيل بما في مؤخره. وهو يحفظ جميع صور المحسوسات ويمثلها بعد الغيبة عن الحواس المختصة والحس المشترك وهي خزانة الحس المشترك لبقاء الصور المحسوسة فيها بعد زوالها عنه. وإنما جعلت خزانة للحس المشترك مع أن مدركات جميع الحواس الظاهرة تختزن فيها، لان الحواس الظاهرة لا تدرك شيئا بسبب الاختزان بالخيال بل بإحساس جديد من خارج فيفوت معنى الخزانة بالقياس إليها بخلاف الحس المشترك، فإنا إذا شاهدنا صورة في اليقظة أو النوم ذهلنا عنها ثم شاهدناها مرة أخرى نحكم عليها بأنها هي التي شاهدناها قبل ذلك، فلو لم تكن الصور محفوظة لم يكن هذا الحكم، كما لو صارت منسية. وإنما احتيج إلى الحفظ لئلا يختل نظام العالم ولا يشتبه الضار بالنافع إذا لم يعلم أنه المبصر أولا، وينفسد المعاملات وغيرها.
والدليل على مغايرتها للحس المشترك وجهان: أحدهما أن قوة القبول غير قوة الحفظ، فرب قابل النقش كالماء لم يحفظ، لوجود رطوبة فيه هي شرط سرعة القبول، وعدم اليبس الذي هو شرط الحفظ. وثانيهما أن استحضار الصور، والذهول عنها من غير نسيان، والنسيان يوجب تغاير القوتين، ليكون الاستحضار حصول الصورة فيهما، والذهول حصولها في إحداهما دون الأخرى، والنسيان زوالها عنهما.
واعترض عليهما بوجوه وأجابوا منها وهي مذكورة في محالها.
واحتج الرازي على إبطال الخيال بأن من طاف في العالم ورأي البلاد والاشخاص الغير المعدودة فلو انطبقت صورها في الروح الدماغي فإما أن يحصل جميع تلك الصور في محل واحد فليزم الاختلاط وعدم التمايز، وإنما أن يكون لكل صورة