فقالوا: ههنا ملموسات مختلفة الأجناس متضادة [الأجناس] فلا بد لها من قوى مدركة مختلفة تحكم بالتضاد بينها، فأثبتوا لكل ضد ين منها قوة واحدة هي الحاكمة بين الحرارة والبرودة، والحاكمة بين الرطوبة واليبوسة، والحاكمة بين الخشونة والملاسة والحاكمة بين اللين والصلابة. ومنهم من زاد الحاكمة بين الثقل والخفة. قالوا:
ويجوز أن يكون لهذه القوى بأسرها آلة واحدة مشتركة بينها وأن يكون هناك في الآلات انقسام غير محسوس، فلذا توهم اتحاد القوى.
ويرد عليه أن المدرك بالحس هو المتضادان كالحرارة والبرودة دون التضاد فإنه من المعاني المدركة بالعقل أو الوهم، وإذا جاز إدراك قوة واحدة للضدين فقد صدر عنها اثنان. فلم لا يجوز أن يصدر عنها ما هو أكثر من ذلك؟ وأيضا فإن الطعوم والروائح والألوان أجناس مختلفة متضادة مع اتحاد القوى المدركة لها، وكون التضاد في ما بين الملموسات أكثر وأقوى لا يجدي نفعا.
واما الحواس الباطنة فهي أيضا خمس عندهم بشهادة الاستقراء:
الأول الحس المشترك ويسمى باليونانية " بنطاسيا " أي لوح النفس، وهي قوة مرتبة في مقدم التجويف الأول من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة بالتأدي إليها من طريق الحواس، فهو كحوض ينصب فيه أنهار خمسة. واستدلوا على وجوده بوجوه:
الأول: أنا نشاهد القطرة النازلة خطا مستقيما، والنقطة الدائرة بسرعة خطا مستديرا، وليس ارتسامها (1) في البصر، إذ لا يرتسم فيه إلا المقابل وهو القطرة والنقطة، فإذن ارتسامها (2) إنما يكون في قوة أخرى غير البصر حصل فيها الارتسامات المتتالية بعضها ببعض فيشاهد خطا.
الثاني: أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على بعض، كالحكم بأن هذا الأبيض هو هذا الحلو، وهذا الأصفر هو هذا الحار، وكل من الحواس الظاهرة