لطيفة من ذي الرائحة تختلط بالهواء وتصل معه إلى الخيشوم. وقيل: بفعل ذي الرائحة في الشامة من غير استحالة في الهواء ولا تبخر وانفصال أجزاء. ورد الثاني بأن القليل من المسك يشم على طول الأزمنة وكثرة الأمكنة من غير نقصان في وزنه وحجمه و الثالث بأن المسك قد يذهب به إلى مسافة بعيدة ويحرق ويفنى بالكلية مع أن رائحته تدرك في الهواء الأول أزمنة متطاولة. ويؤيد ذلك ما حكى أرسطو أن الرخمة (1) قد انتقلت من مسافة مائتي فرسخ برائحة جيفة من حرب وقع بين اليونانيين، ودلهم على انتقالها من تلك المسافة عدم كون الرخمة في تلك الأرض إلا في نحو من هذا الحد من المسافة. وقد يقال: لعل المتحلل منه أجزاء صغار جدا تختلط بجميع تلك الأجزاء الهوائية، والاستبعاد غير كاف في المباحث العلمية. على أن الشيخ اعترض عليه في الشفاء بقوله " يجوز أن يكون إدراكها للجيف بالباصرة حين هي محلقة في الجو العالي ".
ومنها الذائقة وهي قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان، وهي تالية للامسة، إذ منفعتها أيضا في الفعل الذي به يتقوم البدن، وهي تشهية الغذاء واختياره وبالجملة يتمكن به على جذب الملائم ودفع المنافر من المطعومات، كما أن اللامسة يتمكن بها على مثل ذلك من الملموسات. وهي توافق اللامسة في الاحتياج إلى الملامسة وتفارقها في أن نفس ملامسة المطعوم لا يؤدي الطعم كما أن نفس ملامسة الحار تؤدي الحرارة، بل تفتقر إلى توسط الرطوبة اللعابية المنبعثة عن الآلة التي تسمى الملعبة ويشترط أن تكون هذه الرطوبة خالية عن مثل طعم المطعوم وضده، بل عن غير ما يؤدي طعم المذوق كما هو إلى الذائقة، فإن المريض إذا تكيف لعابه بطعم الخلط الغالب عليه لا يدرك طعوم الأشياء المأكولة والمشروبة إلا مشوبة بذلك الطعوم، فإن الممرور إنما يجد طعم العسل مرا.
واختلفوا في أن توسطها إما بأن يخالطها أجزاء لطيفة من ذي الطعم ثم تغوص هذه الرطوبة معها في جرم اللسان إلى الذائقة، فالمحسوس حينئذ هو كيفية ذي الطعم