القوم ولا في القوة الباصرة أو غيرها من القوى البدنية لوجوه ذكروها، فهي صور جسمانية موجودة في عالم آخر متوسط بين عالمي الحس والعقل يسمى بعالم المثال وهي قائمة بذاتها معلقة لا في محل ولا في مكان، لها مظاهر كالمرآة في الصور المرئية المرآتية والخيال في الصور الخيالية. ووافقهم الصوفية في إثبات هذا العالم وقد مرت الإشارة إليه.
قال القيصري في شرح الفصوص: اعلم أن العالم المثالي هو عالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانيا، وليس بجسم مركب مادي ولا جوهر مجرد عقلي، لأنه برزخ وحد فاصل بينهما، وكل ما هو برزخ بين الشيئين لابد وأن يكون غيرهما، بل له جهتان يشبه بكل منهما ما يناسب عالمه. اللهم إلا أن يقال إنه جسم نوري في غاية ما يمكن من اللطافة، فيكون حدا فاصلا بين الجواهر المجردة اللطيفة وبين الجواهر الجسمانية الكثيفة، وإن كان بعض هذه الأجسام ألطف من البعض كالسماوات بالنسبة إلى غيرها - انتهى -.
ومنها رؤية الشئ شيئين كما في الأحول، وفي من مد طرف عينه، أو غمض إصبعه في طرف من العين، فإنه يرى كل شئ اثنين. واختلفت الآراء في تعليله ولنذكر منها مذهبين: الأول مذهب أصحاب الشعاع، فإنهم يقولون إنه يخرج من كل عين مخروط شعاعي له سهم، فان وقع السهمان على موضع واحد من المرئي يرى شيئا واحدا، وإن اختلف موقعاهما يرى اثنين. الثاني مذهب أصحاب الانطباع ومداره على مقدمة، وهي أن القوة البصرية قائمة بالروح الحيواني المصبوب في العصبتين المجوفتين النابتتين من مقدم الدماغ المتقاطعتين، وعند التقاطع يتحد التجويفان، وهناك مجمع النور، فإذا قابل البصر المبصر انطبعت صورته في الجليديتين ولا يكفي ذلك في الابصار، وإلا لرؤي الشئ الواحد شيئين، بل يجب أن تتأدى صورة أخرى مثل تلك الصورة إلى مجمع النور فتحصل الابصار. ثم إن هذا الروح الذي في مجمع النور يؤدي صورة المرئي إلى الحس المشترك، وهناك يتم كمال الابصار.