ثم بعد هذه المقدمة نقول: إن لادراك الشئ الواحد اثنين أربعة أسباب:
الأول انتقال الآلة المؤدية للشبح الذي في الجليدية إلى ملتقى العصبتين، فلا يتأدى الشبحان إلى موضع واحد، بل ينتهي كل إلى جزء آخر من الروح الباصرة لان خطي الشبحين لم ينفذا نفوذا من شأنه أن يتقاطعا عند ملتقى العصبتين، وإذا اختص كل بجزء آخر من الروح الباصرة فكأنهما شبحان لشيئين، ولأنه يختلف موضع الشبح في الروح الباصرة يرى الاثنين في الاثنين.
الثاني حركة الروح الباصرة التي في الملتقى وتموجها يمينا ويسارا، حتى يتقدم مركزها المرسوم [له] في الطبع إلى جهتي الجليديتين أخذا متموجا مضطربا فيرتسم فيه الشبح قبل تقاطع المخروطين، فينطبع من الشئ الواحد شبحان، ويرى كشيئين مفترقين. وهذا مثل ارتسام شبح الشمس في الماء الساكن الراكد مرة واحدة وفي الماء المتوج متكررا.
الثالث اضطراب روح الباصرة التي في مقدم الدماغ وحركته قداما إلى صوب ملتقى العصبتين وخلفا إلى الحس المشترك، فإذا نظر في تلك الحالة إلى المرئي انطبع شبحه في جزء من الروح الحاصل في مركزه الذي له وضع مخصوص بالقياس إلى ذلك المرئي، فإذا تحرك ذلك الجزء ووقع جزء آخر في موضعه فلا جرم انطبع شبحه في ذلك الجزء أيضا ولم يزل بعد عن الجزء الأول، فتجتمع هناك صورتان ويرى شيئان.
ولمثل هذا السبب يرى الشئ السريع الحركة إلى جانبين كشيئين، لأنه قبل انمحاء صورته عن الحس المشترك وهو في جانب يراه البصر في جانب آخر، فتتوافى (1) إدراكاته في الجانبين معا. ومن هذا القبيل رؤية القطرة النازلة خطا مستقيما، والشعلة الجوالة دائرة. ونظير الحركة الدورية لصاحب الدوار، فإنه لسبب من الأسباب الطبية (2) يتحرك الروح الذي في تجويف مقدم الدماغ على الدور، فحينئذ إن انطبعت فيه صورة، تزول بسرعة لتحركه، كزوال الضوء عن أجزاء الكرة المقابلة