يصير منيا فيها، وثانيهما ما يهيئ كل جزء من المني من الذكر والأنثى في الرحم بعضو مخصوص، بأن يجعل بعضه مستعدا للعظمية، وبعضه مستعدا للعصبية، وبعضه للرباطية إلى غير ذلك. وهذه القوة تسمى " المغيرة الأولى " وفعلها إنما يكون حال كون المني في الرحم، ليصادف ذلك فعل القوة المصورة، لأنها تعد مواد الأعضاء والمصورة تلبسها صورها الخاصة بها.
وإنما احتيج إلى هذه القوى، أما إلى الغاذية فلان بقاء البدن بدون الغذاء محال، لان البدن إنما يمكن تكونه من جسم رطب ليكون قابلا للتشكيل والتمديد ولا بد من حرارة عاقدة منضجة محللة للفضول يلزمها لا محالة أن تحلل الرطوبة ويعينها على ذلك الهواء الخارجي والحركات البدنية والنفسانية. فلو لا أن الغذاء يخلف بدل ما يتحلل منه لم يمكن بقاؤه مدة تمام التكون فضلا عما بعد ذلك. وليس يوجد في الخارج جسم إذا مس جسد الانسان استحال بطبيعته، فلا بد إذن من أن يكون للنفس قوة من شأنها أن تحيل الوارد إلى مشابهة جوهر أعضاء البدن ليخلف بذلك بدل ما يتحلل منه، وهي القوة الغاذية.
وأما إلى المولدة فلما ثبت من أن الموت ضروري، وحدوث الانسان بالتولد مما يندر وجوده، فوجب أن يكون للنفس قوة تفصل من المادة التي تحصلها الغاذية ما بعده مادة لشخص آخر، ولما كانت المادة المنفصلة أقل من المقدار الواجب لشخص كامل جعلت النفس ذات قوة تضيف من المادة التي تحصلها الغاذية شيئا فشيئا إلى المادة المفصولة، فيزيد بها مقدارها في الأقطار على تناسب طبيعي يليق بأشخاص ذلك النوع إلى أن يتم الشخص.
وتخدم الغاذية قوى أربع، هي: الجاذبة، والماسكة، والهاضمة، والدافعة.
أما الاحتياج إلى الجاذبة فظاهر، لان الغذاء لا يمكن أن يصل بنفسه إلى جميع الأعضاء، لأنه لا يخلو إما أن يكون ثقيلا فلا يصل إلى الأعضاء العالية، وإما أن يكون خفيفا فلا يصل إلى الأعضاء السافلة ووجودها في بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن المنتكس إذا اشتدت حاجته إلى الغذاء يجده ينجذب من فمه إلى المعدة من غير