أشكالها ثم إنها لا تكون موجودة البتة في الخارج، جاز أيضا في كل هذه الأشياء التي نراها ونسمعها من صور الناس والجبال والبحار وأصوات الرعود أن لا يكون لشئ منها وجود في الخارج، بل يكون محض الخيالات ومحض الصور المرتسمة في الحس المشترك، ومعلوم أن القول به محض السفسطة. بل نقول: هذا في البعد عن الحق والغوص في الجهالة أشد من الأول، لان على القول الذي نقول نحن جازمون بأن كل ما رأيناه فهو موجود حق، إلا أنه يلزمنا تجويز أن يكون قد حضر عندنا أشياء ونحن لا نراها، وتجويز هذا لا يوجب الشك في وجود ما رأيناه وسمعناه، أما على القول الذي يقولونه فإنه يلزم وقوع الشك في وجود كل صورة رأيناها وكل صوت سمعناه وذلك هو الجهالة والسفسطة الكاملة. فثبت أن القول الذي اختر تموه في غاية الفساد.
فإن قالوا: إن حصول هذه الحالة لحصول أحوال، منها أن يكون كامل النفس قوي العقل كما في حق الأنبياء والأولياء، فإذا لم يحصل شئ من هذه الأحوال وكان الانسان باقيا على مقتضى المزاج المعتدل لم يحصل شئ من هذه الأحوال، فحينئذ يحصل القطع بوجود هذه الأشياء في الخارج. فنقول في الجواب: إن بالطريق الذي ذكرتم ظهر أنه لا يمتنع أن يحس الانسان بوجود صور مع أنها لا تكون موجودة أصلا وإذا ظهر جواز هذا المعنى فنحن إنما يمكننا انتفاء هذه الحالة إذا دللنا على أن الأسباب الموجبة لحصول هذه الحالة محصورة في كذا وكذا، ونقيم علي هذا الحصر برهانا يقينيا، ثم نبين في المقام الثاني أنها بأسرها منتفية زائلة بالبرهان اليقيني ثم نبين في المقام الثالث أن الممكن حال بقائه لا يستغني عن السبب، فإن (1) بتقدير أن يكون الامر كذلك لم يلزم من زوال تلك الأسباب زوال هذه الحالة، ثم على تقدير إقامة البراهين القاطعة على صحة هذه المقدمات يصير جزمنا بحصول هذه المحسوسات في الخارج موقوفا على إثبات هذه المقدمات النظرية الغامضة، والموقوف على النظري الغامض أولى أن يكون نظريا غامضا، وحينئذ تبطل هذه العلوم المستفادة