الليل إلى وقت النوم، وصحة البدن، واعتدال مزاجه الشخصي والدماغي، اتصلت بالجواهر الروحانية الشريفة التي فيها نقوش جميع الموجودات كلية وجزئية، والمسماة بالكتاب المبين وأم الكتاب، فانتقشت بما فيها من صور الأشياء، لا سيما ما ناسب أغراضها ويكون مهما لها، فإن النفس بمنزلة مرآة ينطبع فيها كل ما قابلها من مرآة أخرى عند حصول الأسباب وارتفاع الحجاب بينهما، والحجاب ههنا اشتغال النفس بما تورده الحواس، فإذا ارتفع ظهر فيها من تلك المرائي ما يناسبها ويحاذيها، فإن كانت تلك الصور جزئية وبقيت في النفس بحفظ الحافظة إياها على وجهها ولم تتصرف فيه القوة المتخيلة الحاكية للأشياء بمثلها فتصدق هذه الرؤيا ولا تحتاج إلى التعبير، وإن كانت المتخيلة غالبة وإدراك النفس للصورة ضعيفا صارت المتخيلة بطبعها إلى تبديل ما رأته النفس بمثال، كتبديل العلم باللبن، وتبديل العدو بالحية، وتبديل الملك بالبحر والجبل، إلى غير ذلك، وذلك لما دريت أن لكل معنى صورة في نشأة غير صورته في النشأة الأخرى، وأن النشآت متطابقة.
نقل أن رجلا جاء إلى ابن سيرين وقال: رأيت كأن في يدي خاتما أختم به أفواه الرجال وفروج النساء، فقال: إنك مؤذن تؤذن في شهر رمضان قبل الفجر فقال: صدقت. وجاء آخر فقال: كأني صببت الزيت في الزيتون، فقال: إن كانت تحتك جارية اشتريتها ففتش عن حالها فإنها أمك، لان الزيتون أصل الزيت فهو رد إلى الأصل، فنظر فإذا جاريته كانت أمه وقد سبيت في صغره. وقال آخر له: كأني أعلق الدر في أعناق الخنازير، فقال: كأنك تعلم الحكمة غير أهلها، وكان كما قال.
وربما تبدل المتخيلة الأشياء المرئية في النوم بما يشابهها ويناسبها مناسبة ما أوما يضادها، كما من رأى أنه ولد له ابن فتولد له بنت، وبالعكس، وهذه الرؤيا تحتاج إلى مزيد تصرف في تعبيره فيحلل بالعكس، أي يرجع من الصور الخيالية الجزئية إلى المعاني النفسانية الكلية. وربما لم تكن انتقالات المتخيلة مضبوطة بنوع مخصوص فانشعبت وجوه التعبير فصار مختلفا بالاشخاص والأحوال والصناعات وفصول السنة وصحة النائم ومرضه، وصاحب التعبير لا ينال إلا بضرب من الحدس، ويغلط فيه كثيرا للالتباس.