هذا الصور الحاضرة في الخيال إلى تلك المعاني. والقسم الثالث أن لا تكون هذه الصور مناسبة لتلك المعاني البتة، وذلك يكون لاحد وجهين: أحدهما أن يكون حدوث هذا الخيال الغريب إنما كان لوجه واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة في سبب أضغاث الأحلام. والثاني: أن يكون ذلك لأجل أن القوة المتخيلة ركبت لأجل ذلك المعنى صورة، ثم ركبت لأجل تلك الصورة صورة ثانية، وللثانية ثالثة، وأمعنت في هذه الانتقالات، فانتهت بالآخرة إلى صورة لا تناسب المعنى التي أدركته النفس أولا البتة، وحينئذ يصير هذا القسم أيضا من باب أضغاث الأحلام، ولهذا السبب قيل:
إنه لا اعتماد على رؤيا الكاذب والشاعر، لان القوة المتخيلة منهما قد عودت الانتقالات الكاذبة الباطلة - والله أعلم -.
الفرع الثاني في كيفية الاخبار عن الغيب. اعلم أن النفس الناطقة إذا كانت كاملة القوة وافية في الوصول إلى الجوانب العالية والسافلة، وتكون في القوة بحيث لا يصير اشتغالها بتدبير البدن عائقا لها عن الاتصال بالمبادئ المفارقة، ثم اتفق أيضا أن كانت قوته (1) الفكرية [قوية] قادرة على انتزاع لوح الحس المشترك عن الحواس الظاهرة، فحينئذ لا يبعد أن يقع لمثل هذه النفس في حال اليقظة مثل ما يقع للنائمين من الاتصال بالمبادئ المفارقة، فحينئذ يرتسم عن بعض تلك المفارقات صور تدل على وقائع هذا العالم في جوهر النفس الناطقة. ثم إن القوة لأجل قوتها تركب صورة مناسبة لها، ثم تنحدر تلك الصورة إلى لوح الحس المشترك فتصير مشاهدة، وعند هذه الحال يسمع ذلك الانسان كلاما منظوما من هاتف، وقد يشاهد منظرا في أكمل هيئة وأجل صورة تخاطبه تلك الصورة بما يهمه من أحوال من يتصل به. ثم إن كانت هذه الصورة المحسوسة منطبقة على تلك المعاني التي أدركتها النفس الناطقة كان ذلك وحيا صريحا، وإن كانت الصورة الخيالية مخالفة لذلك المعنى العقلي من بعض الوجوه كان ذلك وحيا محتاجا إلى التأويل. والصارف للقوة المتخيلة عن هذا التغير والتبديل أمران: