من الحواس بطلانا كليا، فثبت أن القول الذي ذكر تموه قول باطل يوجب التزام السفسطة.
واعلم أن الذي حمل هؤلاء الفلاسفة على ذكر هذه العلل والأسباب إطباقهم على إنكار الملائكة وعلى إنكار الجن، وقد بينا في كتاب الأرواح أنه ليس لهم شبهة ولا خيال يدل على نفي هذه الأشياء، وإذا كان أصل هذه الأقوال نفي الملائكة والجن - وقد عرفت أنه ليس لهم فيه دليل وفرعه مما يوجب القول بالسفسطة - كان هذا القول في غاية الفساد والبطلان. فهذا تمام الكلام في هذا الأصل.
وأما الأصل الثاني فهو أن هذه الكلمات متفرعة على إثبات إدراك الحواس الباطنة، ونحن قد بينا بالبرهان القاهر القاطع أن المدرك لجميع الادراكات هو النفس الناطقة، وأن القول بتوزيع الادراكات على قوى متفرقة قول باطل وكلام فاسد، فثبت بهذه البيانات أن كلامهم في غاية الضعف والفساد.
والحق أن هذا الباب يحتمل وجوها كثيرة: فأحدها أنا بينا أن النفوس الناطقة أنواع كثيرة ذو طوائف مختلفة، ولكل طائفة منها روح فلكي كلي هو العلة لوجودها، وهو المتكفل بإصلاح أحوالها، وذلك الروح الفلكي كالأصل والمعدن والينبوع بالنسبة إليها، وسميناه بالطباع التام، فلا يمتنع أن يكون الذي يراها في المنامات وفي اليقظة أخرى، وعلى سبيل الإلهامات ثالثا هو ذلك الطباع التام، ولا يمتنع كون ذلك الطباع التام قادرا على أن يتشكل بأشكال مختلفة بحسب جسم مخصوص هوائي في جميع أعماله. وثانيها أن تثبت طوائف الملائكة وطوائف الجن، ونحكم بكونها قادرة على أن تأتي بأعمال مخصوصة عندها يظهرون للبشر، وعلى أعمال أخرى عندها يحتجبون عن البشر، فهذا ما نقوله في هذا الباب (انتهى).
وقال في المواقف وشرحه: وأما الرؤيا فخيال باطل عند المتكلمين أي جمهورهم أما عند المعتزلة شرائط الادراك حالة النوم من المقابلة وإثبات الشعاع وتوسط الهواء الشفاف والبنية المخصوصة وانتفاء الحجاب، إلى غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الادراكات، فما يراه النائم ليس من الادراكات في شئ بل هو من قبيل الخيالات