الفاسدة والأوهام الباطلة. وأما عند الأصحاب إذا لم يشترطوا في الادراك شيئا من ذلك فلانه خلاف العادة: أي لم تجر عادته تعالى بخلق الادراكات في الشخص وهو نائم ولان النوم ضد للادراك فلا يجامعه، فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة، بل هو من قبيل الخيال الباطل.
وقال الأستاذ أبو إسحاق: إنه إدراك حق بلا شبهة، إذ لا فرق بين ما يجده النائم من نفسه في نومه من إبصار المبصرات وسمع المسموعات (1) وذوق وغيرها من الادراكات، وبين ما يجده اليقظان في إدراكاته، فلو جاز التشكيك فيه لجاز التشكيك فيما يجده اليقظان، ولزم السفسطة والقدح في الأمور المعلومة حقيقتها بالبديهة، ولم يخالف الأستاذ في كون النوم ضدا للادراك، لكنه زعم أن الادراك يقوم بجزء من أجزاء الانسان غير ما يقوم به النوم من أجزائه، فلا يلزم اجتماع الضدين في محل واحد.
أقول: ثم ذكر ما زعمته الفلاسفة في ذلك نحوا مما مر. وقال بعض المحققين من الحكماء والصوفية الجامعين بزعمهم بين الشرع والحكمة: سبب الرؤيا انخناس الروح البخاري من الظاهر إلى الباطن بأسباب شتى، مثل طلب الاستراحة عن كثرة الحركة، وميل الاشتغال بتأثيره في الباطن لينفتح السد، ولهذا يغلب النوم عند امتلاء المعدة، ومثل أن يكون الروح قليلا ناقصا فلا يفي بالظاهر والباطن جميعا. ولزيادته ونقصانه أسباب طبية مذكورة في كتب الأطباء. فإذا انخنس الروح إلى الباطن وركدت الحواس بسبب من الأسباب بقيت النفس فارغة عن الشغل الحواس، لأنها لا تزال مشغولة بالتفكر فيما تورده الحواس عليها، فإذا وجدت فرصة الفراغ وارتفعت عنها الموانع فإن كانت عالية معتادة بالصدق أو مائلة إلى العالم الروحاني العقلي، متوجهة إلى الحق، مطهرة عن النقائص، معرضة عن الشواغل البدنية، متصفة بالمحامد أو غير ذلك مما جب تنويرها وتقويتها وقدرتها على خرق العالم الحسي من الاتيان بالطاعات والعبادات، واستعمال القوى والآلات بموجب الأوامر الإلهية، وحفظ الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط فيها، ودوام الوضوء والذكر خصوصا من أول