العرش كالقطرة في البحر، ولا يعرف عددهم إلا الله، [ثم] مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل، والملائكة الذين هم جنود جبرائيل، وهم كلهم سامعون مطيعون، لا يستكبرون عن عبادته ولا يسأمون.
فائدة: قال بليناس في كتاب " علل الأشياء ": إن الخالق عز وجل لما ضرب الخلقة بعضها ببعض وطال مكثها خلق الأرواح المتفكرة القادرة، فخلقهن من حرارة الريح ونور النار، فمنهم خلق خلقوا من حر الريح الباردة، ومنهم خلق خلقوا من نور النار الحارة، ومنهم خلق خلقوا من حركة الماء البارد، ومنهم خلق خلقوا من حركة الماء الحار، ومنهم خلق خلقوا من الماء المالح، فخلق الله الخلقة العلوية من هذه الثلاث طبائع وليس فيهم من طبيعة التراب شئ، ومن خلق منهم في السفل فإنها خلقت من الطبائع الثلاث التي ذكرت مفردات غير مركبات، إذ لو كانوا مركبين إذا لأدركهم الموت والافتراق، فهذه جميع أجناس المتفكرة من الملائكة والجن والشياطين وسكان الريح الباردة والبحر والأرض السود والبيض، والكواكب العلوية تشرق بنورها عليهم، فتتصل أنوارهم بنورها ولا يشغلون مكانا لأنهم نور، ولا يأخذون مكان غيرهم فهم ملؤوا الطبائع يدبرونها ويقبلون عليها، وكل طبيعة من الطبائع فيها خلق عظيم من الروحانيين، ولا يقع عليهم التفصيل والفناء، لأنهم ليسوا مركبين، وإنما هم من جوهر واحد، فلذلك صاروا أكثر شئ عددا لا يسأمون ولا ينامون ولا يملون، يعملون دائبين بالليل والنهار بما وكلوا به من حركة الفلك، وإدخال بعضها في بعض، وحركة الشمس والقمر والكواكب والأمطار والرياح والحر والبرد والاقبال والادبار في النبات والحيوان والمعادن وأفاعيل الانس والحيوان، وكلهم يعمل دائبا بالأمر الذي وكل به، وهم أجناس، جنس منهم في الفلك الأعلى، وهم قيام على أرجلهم لا يجلسون، لان طبيعتهم روحانية لطيفة، فبلطافتهم لا يقدرون أن يجلسوا، لأنها تجذبهم إلى العلو، وكلهم يسبحون للذي خلقهم منذ يوم خلقهم لا يعملون ولا يتحركون يمينا ولا شمالا، وليس لهم عمل غير التسبيح للرب، لهم غلظ وشدة